فخ المثقفين : الغرور
06:45 2021/07/12
الغرور، إنه الفخ الذي يقع فيه أغلب المُثقفين، والرياح التي تزيح النقاب عن أدعياء الثقافة، أولئك الذين يعتقدون أن عين الحقيقة مُنحت لهم فحسب، وأنهم الوحيدون القادرون على تنظير الأحداث وفلسفة الوقائع، وتفصيلها كيفما يشاؤون. يظل احترامي للمثقف قائمًا مهما اختلفتُ معه في الفكرة والانتماء، حتى يتصف بالغرور والغطرسة، يسقط عنه احترامي، وتسقط مثقفيته، ويغدو مثقفًا لا أخلاقيًا، لأن أبسط أخلاق المثقف هو التواضع. وكما قِيل أن الثقافة والتواضع يسيران في طريقين متوازيين، وعلى المرء أن يختار الطريق الذي يناسبه، إما مثقف أو مغرور.
إن الغرور قد يجعل من المثقف غير مقبول في المشهد الثقافي والاجتماعي مهما كان مبدعًا، فالجماهير يأسرها الإنسان المتواضع القريب منهم، فهو أكثر أريحية وقابلية للنزول إلى الجذور العادية للإنسان. بعكس ذلك الذي لا يسمع إلا نفسه، ولا يبصر إلا انعكاس مرآته الخاصة، ويتعامل مع الآخرين بدونيةٍ مقرفة، كما لو أنهم فائضون عن حاجته. إن المثقف أو المبدع الحقيقي لا يتعامل مع الآخرين بتلك الطريقة مهما كبر وحلق مع إبداعه، بل يحلق مع التساوي مع جميع البشر الذين هم متذوقون لما يكتبه ويقدمه من إبداع..
للثقافة تأثيرٌ كبيرٌ على المرء في الأخذ بيده نحو الرقي الإنساني، الذي يجعل منه قلبًا رحبًا مفتوحًا على الآخر، لا ذاتًا منتفخة متضخمة منغلقة على الآخر. فعندما تكثر ثقافة الإنسان، يكبر عقله، ويتوازن قلبه، ويتسع صدره، وتزداد كل عناصر إنسانيته، فتراه ذلك الهادئ المنفتح، المتحكم بمشاعره وانفعالاته، فمهما تلقى من الصدمات وردود الفعل، تراه يُنفس عنها بطريقةٍ هادئة وعقل متزن، وهذا الطراز من المثقف الحقيقي_ باعتقادي_ لا يسعك إلا أن تحترمه وتحترم آراءه مهما بدت لك خاطئة وغير مقبولة.
أخيرًا، إن المثقف أو المبدع في النهاية إنسان، وربما يقع في شرك الغرور، سواءً بدرايةٍ منه أو دون دراية، وفي هذه الحالة يمكننا أن نسمي الشخص الذي استطاع إدراك هذا الأمر وتجاوزه بالمثقف الحقيقي، والحقيقيون على كل حالٍ أقلية قليلة، لكننا في ظرفٍ نحن فيه بأمس الحاجة إليهم.