الذكاء يمكن اكتسابه بالتعليم.. تصوروا!

02:55 2021/05/11

الاعتقاد السائد عندنا أن الذكاء هبة طبيعية لا تتوافر إلا في عدد محدود من الناس، أو في عرق من الأعراق، وأن هذه المزية تنقل وراثياً.. ولعل معظمنا قد استمع إلى شخص ما يقول: فلان ذكي لأنه ورث الذكاء من أبيه، فنتقبل قوله دون مناقشة.. لكن الشاعر الفنزولي لويس ألبيرتو ما تشادو كان له رأي آخر.
 
قال إن تركيبة الدماغ البشري واحدة، وهي هي منذ نهاية العصر الحجري إلى اليوم، لم تتغير.. فما الذي جعل أمة من أمم الأرض تنهض وتتقدم، وأمة أخرى ساكنة في مكانها، وهي إن تقدمت قليلاً فذلك بفضل العلوم والتقانة اللتين تأتيان إليها جاهزتين؟
 
التقدم العلمي مستمر، وأصبح بالإمكان معرفة تركيب الدماغ البشري وكيف يعمل، وعدد وأنواع الخلايا التي يتكون منها، كما تم التعرف على حيوانات ذكية، مثل بعض فصائل القردة، وما يزال العلم يشرح الدماغ البشري ويدرسه، ويكشف المزيد من أسراره..
 
والذكاء -في أسهل تعريف- هو القدرة على اكتشاف العلاقات بين الظواهر، وملاحظة الروابط بين الموجودات، أكانت هذه الموجودات ظواهر طبيعية أم أفكاراً ومعلومات، أم مكونات البيئة الأخرى، والذكاء ليس القدرة على اكتشاف العلاقات والروابط بين الأشياء التي نشاهدها ونحس بها ونتفاعل معها فحسب، بل اكتشاف غير المشاهد منها وغير المنظور.. مثلاً، المعادلة الحسابية التي وضعها الفيزيائي الألماني أينشتاين، والتي تعتبر أساس نظرية النسبية، وضعها ذلك العالم وهو على الأرض وليس متنقلا بين عوالم الكواكب والنجوم في الفضاء.. إذن، ما دام الذكاء هو القدرة على اكتشاف ما ذكرنا قبل، فإن هذه القدرة يمكن أن يكتسبها الكائن البشري من خلال التدريب والتعليم.
 
ماتشادو هذا، صاحب نظرية (تعليم الذكاء، وتطوير التفكير..)، كان صديقاً للرئيس لويس هيرارا، وحين اطلع على نظريته، وطموحه لتنفي مشروع تعليم الذكاء وفن التفكير العلمي، أسند إليه مهمة إنشاء وزارة تعليم الذكاء، لكي ينفذ من خلالها، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير، على الرغم من قصر فترة بقائه في منصبه، وهي ست سنوات (1978—1984)، إذ جاء في العام 1984 رئيس جديد، وحكومة جديدة، ألغيت فيها وزارة تعليم الذكاء، وتم الاكتفاء بوظيفة المفوض الأول لرئيس الجمهورية لتطوير الذكاء..  ومثل ما كان لويس ما تشادو أول وزير للذكاء في العالم، أصبحت السيدة ألن لامب، أول من يشغل وظيفة المفوض الأول لتطوير الذكاء. 
 
نظرية ما تشادو معقدة ويحتاج عرضها لمساحة أكبر من مساحة هذا المقال، لكن يمكن القول إنها -ببساطة- تتأسس على الإيمان أن المجتمع الإنساني بحكم طبيعته يتميز عن المجتمع الحيواني، في أنه لا يقدم على سلوك معين بسبب غريزي، وإنما من خلال العقل، وأن الذكاء ليس صفة غريزية تنتقل بالوراثة، أو تختص به أمة معينة أو عرق، أو جنس، أو فرد مميز عن غيره، فالإنسان ابن البيئة، إذا نشأ في بيئة متخلفة ساكنة على المألوف، لا تشجع على الإبداع، فسوف يأتي مثلها، وإذا نشأ في بيئة اجتماعية منفتحة تتقبل الأفكار غير المألوفة ومحفزة للإبداع والتجديد، فسوف يحفزه ذلك على الابتكار.. فالذكاء يكتسبه الإنسان من البيئة المحيطة، وليس من مورث، أو من فطرة، وحتى لو كان الذكاء طبيعيا، فإنه يصبح مهارة.. وإذا كان الذكاء ابن بيئته الاجتماعية، فيمكن تعلّمه، بل وتطويره.
 
والذكاء عند لويس ما تشادو، مساوٍ لتعليم التفكير.. وبما أن التفكير مهارة، فإنه قابل للتعلّم والاكتساب، وتعلّم التفكير بالتالي هو تعلّم الذكاء، وعنده أيضا أن الذكاء حق من حقوق الإنسان، ومن حقه الحصول على هذا الحق من خلال النظام التعليمي.. وقد بدأ ماتشادو تنفيذ مشروع تعليم الذكاء، وتطوير التفكير، بإنشاء مدارس خاصة بالذكاء منذ الصغر، لكن تعليم الذكاء أو التفكير العلمي لا يتوقف عند نهاية المرحلة الابتدائية بل يستمر إلى ما بعد التعليم الجامعي.