شتائم جالبة للرزق

05:18 2021/01/28

الربح من الشتيمة والسباب بات أمرا مألوفا، يمكنك أن تجد يوميا المئات من المواد المعروضة على أرصفة التواصل الاجتماعي، والتي تلاحقها الآلاف من التعليقات المنتقدة لها أو الساخرة منها أو المرسلة نحوها أسوأ وأقذع العبارات بين تكفير لمن يظهر فيها أو يقف وراءها، ووعيد بعذاب القبر ونار جهنم، وبين تعبيرات جنسية وقحة وبذيئة عادة ما تصدر عن أصحاب حسابات ترفع في واجهتها آيات قرآنية أو أحاديث نبوية.
 
المثير في الأمر، أن أصحاب تلك المواد يزدادون سعادة وراحة بال، كلما ارتفع عدد الشتّامين واللعانين والساخرين والمنتقدين، فما يهمهم هو أن بضاعتهم وجدت رواجا، وصادفت أعدادا متزايدة من المتابعين، ما يرفع من أسهمها في سوق العرض الافتراضي.
 
لأن ما يتم اعتماده هو عدد الزوار وليس عدد المنتقدين، وبقدر اتساع دائرة المتابعة، يكون الكسب المادي الممنوح من قبل الشركات الكبرى المتخصصة مثل فيسبوك وتيك توك وإنستغرام واليوتيوب التي تستفيد بدورها من المواقع الجالبة لاهتمام أعداد كبيرة من المتابعين في الترويج للإعلانات مدفوعة الثمن.
 
ويبدو واضحا، أن الراغبين في الكسب، يضعون على رأس أولوياتهم مبدأ الاستفزاز، واللعب على هشاشة عقل المتلقي، والضحك عليه بما هو غريب عنه، أو يتجاوز قدرته على الاستيعاب، أو يثير غريزته، أو يدفع به إلى الغضب أو الخوف أو الشعور بالعجز، ما يجعله يشرّك غيره في المتابعة ليلاحظ ردود الفعل حول تلك المادة المعروضة التي وإن كان في أغلب الأحيان يقابلها بالانتقاد، إلا أنه يساهم في انتشارها عن غير وعي.
 
والطريف أنك قد تصادف يوميا من يعيد نشر بعض الفيديوهات والمنشورات من باب التشهير بها وبأصحابها، وإدانة ما جاء فيها، بينما هو في الواقع يزيدها انتشارا، ويضيف مكاسب جديدة لأصحابها الذي يجيدون العزف على وتر اندفاع الصبيان، وخاصة رواد التطبيقات الشعبية التي تستطيع بواسطة آلياتها المتطورة قراءة أفكار وتوجهات مستخدميها فتضع أمامهم ما تعتقد أنه يلقى القبول لديهم وخصوصا المواد التافهة المثيرة لغرائز العامة.
 
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مصدر رزق للملايين من البشر، فمثلا للحسابات التي يتجاوز عدد متابعيها 100 ألف وحتى 500 ألف على فيسبوك ربح نحو أكثر من 6 آلاف دولار سنويا، بينما يُمكن للحسابات التي يتجاوز عدد متابعيها 500 ألف وحتى مليون على فيسبوك ربح نحو أكثر من 12 ألف دولار سنويا، كما قد تربح الحسابات، التي يتجاوز عدد متابعيها مليونا وحتى 3 ملايين متابع على فيسبوك، أكثر من 65 ألف دولار سنويا، فكلما زاد عدد المتابعين كانت الأرباح أعلى.
 
والربح لا يكون فقط من شركة فيسبوك، وإنما من جهات قد تكون سياسية أو اقتصادية أو تجارية أو غيرها، تدفع الأموال لأصحاب الحسابات واسعة الانتشار، مقابل تمكينها من مساحات للإعلان المباشر أو غير المباشر، حتى أن تلك الحسابات بات لها دور في توجيه الرأي العام في الانتخابات، أو في الصراعات السياسية، وهناك من يدفع المال مقابل الإغداق عليه ببعض الشتائم التي سرعان ما تتحول إلى دعاية إيجابية لدى البعض، فأحيانا تكون الشتائم أكثر نفعا في الترويج لصورة المستهدف.
 
وفي نوفمبر الماضي قالت الإحصاءات العالمية إن نسبة انتشار استخدام مختلف شبكات التواصل الاجتماعي قياسا بعدد سكان العالم سجلت حوالي 53 في المئة، حيث يقدر عدد سكان العالم اليوم بنحو 7.81 مليار نسمة، فيما بلغ عدد مستخدمي الشبكة العنكبوتية حوالي 4.66 مليار مستخدم، وهذا يعني أن العالم بات في قبضة من يتلاعب أكثر بعقول البشر.
 
هناك مقولة رائجة عند الأميركان من زمن بعيد، مفادها أن “ليست هناك دعاية سيئة”، ولكن حاليا، يمكن للدعاية السيئة أن تكون بوابة النجاح والتميز، خصوصا عندما يعتقد المغفلون أنهم يعيدون نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي من باب المماحكة والمناكفة والتشهير، بينما هم يفيدون أصحابها برفع حظوظهم في سجلات المتابعة الجالبة للدخل المادي والتأثير المعنوي.
 
كاتب تونسي
 
- العرب