بدون صنعاء، ما هي المعركة؟

  • كتب/ أمين الوائلي:
  • 12:32 2021/01/04

يمكن القول إن الفعالية المركزية التي أدارتها وأرادتها إيران في الذكرى السنوية الأولى لمقتل قاسم سليماني، لم تكن في طهران أو غيرها، وإنما في صنعاء، حيث يقول الخطاب الرسمي الإيراني الآن إنّ العاصمة اليمنية والعربية المختطفة باتت تشكل مركز الثقل بالنسبة إلى المحور الإيراني أو "محور المقاومة".
 
تلك الفعالية المقصودة جداً، وبذلك الزخم والاحتشاد وفي جامع الصالح، علاوة على إغراق شوارع صنعاء بصور ولافتات وشعارات الإيرانيين وقادتهم، أحالت أو هكذا أرادت إظهار عاصمة العروبة كما لو كانت مركزاً إيرانياً على غرار قم أو طهران. 
 
هكذا وبهذه الطريقة والصراحة يدير الإيرانيون حربهم ومعركتهم، مع العرب دون غيرهم، ليس مع أمريكا أو إسرائيل. وبعد ست سنوات من الحرب فإن الرسائل الإيرانية لا لبس فيها: نحن هنا.
 
كان التخلص من علي عبدالله صالح بأوامر إيرانية، من قاسم سليماني شخصياً، بيد الحوثيين ومرتزقة إيران، هو القرار الأخير قبل خط النهاية وإعلان الانفراد وإحكام القبضة والسيطرة على قلعة اليمن والعروبة. 
 
 
وبينما انشغلت الدوائر العربية والغربية بأخبار التوترات مع مليشيات إيران في العراق وبغداد تزامناً مع حلول الذكرى السنوية لاغتيال سليماني، كان سليماني آخر يتصدر واجهة ومنصة إحياء السنوية الأولى في صنعاء ويعلن خلالها أن هذا وهنا بات قلب المحور الإيراني النابض (...) أو "محور المقاومة". 
 
الأمر هو أن الإيرانيين كمن يقطف حصاد مراحل طويلة ومتقادمة من تخليق ورعاية وتثمير وتغذية المليشيات الحوثية والعمل على استقواء الذراع الإيرانية القذرة في اليمن. عبدالملك الحوثي الذي بعث معزياً أسرة سليماني، ليس سوى واجهة رخيصة تشير أو تؤشر إلى سيدها ومحركها الإيراني الذي يمثل إيرلو حضوره الصريح بالأصالة لا بالوكالة.
 
مرة ثانية، القصدية الأكثر من واضحة وراء ترتيب وإخراج مشهد مماثل انتقت المكان والزمان والمناسبة بعناية، جامع الصالح هو الآخر الرمزية المكثفة إلى المقاومة الفعلية والحقيقية في وجه التمدد الإيراني كما هو شأن وحال صالح الذي خاض آخر معاركه وأشرفها مع الإيرانيين في مساحات ضيقة وأخيرة من شوارع العاصمة صنعاء؛ بين السبعين -الميدان والجامع- وحدة والثنية وأكنافها ومنزله الشخصي.
 
وإذا كان الحوثيون أداروا حربهم ضد صنعاء وصالح نيابة عن إيران، فإن صالح كان بالأحرى يدير معركته الشريفة بالنيابة عن اليمن والعرب قاطبة. وفي مناسبة كهذه تتزاحم أسئلة كثيرة وكبيرة: هل يتلقى العرب الرسائل الإيرانية بهذه الدرجة من الوضوح والصراحة والعلنية؟ وما هو موقع صنعاء بالنسبة إلى جدول أعمال وأحوال وأوليات المكونات اليمنية والشرعية؟ مَن وكم الذين التقطوا المفارقات وعلقوا عليها بالإشارة إلى فعالية إيرانية مستفزة بلا حدود في قلب صنعاء؟
 
 
منذ اللحظات الأولى لوصول -ظهور- الضابط في الحرس الثوري حسن إيرلو في صنعاء، بطريقة غامضة تبقى خارج التفسير والفهم حتى الآن، فإن الحضور الفعلي الإيراني قفز على حسابات الرمزية وتخطاها إلى ما هو أكثر خطورة وفداحة من الرسائل الإشارية والتلميحات الرمزية.
 
وبينما بقي البعض يتحدث مع نفسه وبعيداً عن واقعية المتغير الخطير الذي ضرب صنعاء وتخيرها بقصدية جادة مكاناً وزماناً، كان الإيرانيون يعتبرون الخطوة المكثفة في صنعاء بمثابة وقيمة الجزء الأكثر أهمية واستراتيجية في تحركات ما بعد اغتيال سليماني في بغداد.
 
والمعنى هو أن التوقيت والحضور العلني يؤسس لمرحلة جديدة ومتقدمة من الصراع والتوغل الإيراني العميق في العمق العربي، وصولاً إلى سرادق عزاء كبير على ذكرى إطاحة رأس سليماني.
 
مهما تشعب وطال الكلام واجتهد الناس خبطاً أو عن وعي، فإن كل شيء من شأنه أن يؤدي إلى نهاية واحدة ووحيدة تسأل: أين الجميع من صنعاء؟ وما هو موقع صنعاء في أهداف وأولويات الجميع؟ 
 
قالت سيدة يمنية للكاتب في مراسلة قصيرة: هل رأيت. إيران في صنعاء، فأين الجميع؟!
 
ما هي المعركة بعيداً عن أو من دون غاية صنعاء؟
 
وبدون صنعاء، هل تتبقى معركة؟
 
* نقلاً عن "نيوزيمن"

ذات صلة