الملف النووي والشارع المشتعل: إيران على شفير الانفجار الحاسم وخامنئي يراوغ لإنقاذ ما تبقى

- عدن، الساحل الغربي:
- 01:50 2025/05/02
في مرحلة داخلية حرجة ووسط تصعيد خارجي غير مسبوق، اضطر المرشد الإيراني علي خامنئي إلى التراجع عن مواقفه، متبنياً لغة مراوغة ومواقف رمادية حيال مفاوضات بلاده مع الولايات المتحدة، رغم نفيه السابق لصحة هذا الخيار ووصفه له بأنه "عمل غير عاقل وغير شريف".. ففي الخامس عشر من أبريل وخلال لقاءه رؤساء السلطات الثلاث، تراجع خامنئي خطوة للوراء محاولاً تبرير التحول بمواقف باهتة ومبهمة قائلاً: "لا ينبغي التفاؤل أو التشاؤم بالمفاوضات... المحادثات قد تنجح أو تفشل، نحن لا نثق بالطرف الآخر ولكن نثق بإمكاناتنا"؛ هذه العبارات بدت كمحاولة لتخفيف وقع التراجع عن خطاب التحدي الذي طالما رفعه، خصوصاً أنه قبل شهرين فقط كان قد هاجم الحوار مع واشنطن بوصفه "انبطاحاً لمن قتل قاسم سليماني".
لغة خامنئي الملتبسة لم تُخف حجم الحرج الذي يواجهه النظام داخلياً، مع تزايد الغضب الشعبي والانقسامات داخل أجنحة السلطة وفقدان النظام السيطرة على الشارع المهدد بالانفجار في أي لحظة.. وهو انفجار قد يطيح بالنظام إلى حيث انتهى سلفه ”نظام الشاه”؛ والمفارقة أن ما كان يراهن عليه خامنئي من خداع سياسي لإرباك واشنطن «تحوّل ضده» خصوصاً أمام تهديدات إدارة ترامب التي لا تُشبه تهديدات طهران الجوفاء، بل تأتي مدعومة بخيارات تنفيذية حقيقية.
على خطٍ موازٍ يستمر الملف النووي الإيراني بإثارة الشكوك والريبة الإقليمية والدولية، رغم أكثر من عقدين من التصريحات الإيرانية التي تؤكد سلمية البرنامج.. بل إن المرشد الإيراني نفسه سبق أن أصدر "فتوى" بحرمة تصنيع الأسلحة النووية؛ لكن هذه الطروحات لم تصمد أمام الوقائع: الغموض المتعمد في مسار البرنامج ورفض الشفافية وبلوغ مستوى تخصيب اليورانيوم حافة إنتاج القنبلة، جعلت التصريحات الرسمية أشبه بمحاولة تضليل لا تنطلي على أحد.
التشابك بين المشروع النووي الإيراني والنهج السياسي العقائدي لنظام ولاية الفقيه - خصوصاً في ارتباطه بأذرع طهران الخارجية - عزز هذه المخاوف، ومع تواصل المفاوضات الأخيرة أكدت طهران مجدداً تمسكها بما تسميه "خطوطاً حمراء" رافضة البحث في ملفات القدرات الدفاعية أو النفوذ الإقليمي، ومصرّة على تعريفها الخاص بـ"التخصيب السلمي"؛ ففي جلسة مغلقة لمجلس الشورى بتاريخ 28 أبريل، شدد المتحدث باسم هيئة الرئاسة عباس كودرزي، على مواصلة تخصيب اليورانيوم وإنتاجه محلياً، مشيراً إلى أن التفاوض سيستمر طالما التزمت واشنطن، مؤكداً أن رفع العقوبات هو المحور الأوحد.
لكن الواقع يكشف عن أزمة أعمق: فطهران التي تسعى لفرض شروطها، ترفض مراقبة دولية حقيقية وتراوغ كالعادة باقتراح أطراف وسيطة لا دور لها، محاولة كسب الوقت؛ إلا أن التساؤل المطروح اليوم هو: هل تمتلك إيران فعلاً القدرة لفرض ما تعتبره "خطوطاً حمراء"؟ الجواب الأرجح لا، خصوصاً مع تنامي العزلة واحتدام الأزمات في الداخل.
وفي الداخل تتكشّف ملامح الانهيار التدريجي للنظام عبر مؤشرات ميدانية، منها القرار الكارثي بدمج التعليم مع الضبط الأمني داخل المدارس، في خطوة تكشف حجم الرعب الذي تسببت به انتفاضة 2022 التي لعب فيها طلاب المدارس والجامعات دوراً محورياً؛ الوزير رضا كاظمي، الذي وقّع مذكرة التفاهم مع قائد قوى الأمن أحمد رضا رادان، الملقب بـ"جزار انتفاضة 2009" أثار موجة سخرية واسعة بقوله: "أنا جندي من جنود القائد رادان، ووزارة التعليم في خدمة مهامه".
القرار الذي قوبل باستنكار شعبي واسع يعكس أزمة النظام الحقيقية وتعمّق فقدانه لأي قاعدة اجتماعية حقيقية.. النائب السابق في برلمان النظام جواد أريان منش، أطلق تحذيراً خطيراً من كارثية الأوضاع، مؤكداً أن "الأيديولوجيا الدينية لم تعد تربط الناس بالسلطة" وأن خطط النظام الاقتصادية والاجتماعية انهارت بالكامل، قائلاً بسخرية مرة: "كنا نظن أننا سنصبح القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في المنطقة، لكن ما تحقق هو كارثة شاملة على كل المستويات"؛ تحذيرات أريان منش لم تكن معزولة، بل تعكس عمق الانهيار المتسارع الذي يعيشه نظام فقد بوصلته وبات يواجه مصيراً غامضاً.