اليمن بين مخالب الهيمنة الإيرانية ومسؤولية استعادة الصف الوطني

  • خاص - الساحل الغربي
  • قبل 11 ساعة و 27 دقيقة

 
لم يكن الغزو الحبشي ولا الأطماع البرتغالية ولا الهيمنة الرومانية التي طمحت إلى بسط سيطرتها على اليمن، إلا صوراً مختلفة من محاولات الهيمنة الأجنبية التي ما لبث اليمنيون أن قاوموها حفاظاً على كيانهم التاريخي.. لكن التهديد الذي يواجه اليمن اليوم يتجاوز كونه تدخلاً أجنبياً، ليتخذ شكلاً أشد فتكاً وأطول أثراً: ذراع داخلية تخدم مشروعاً خارجياً، متمثلة في مليشيا الحوثي التي تحولت إلى أداة بيد إيران تُسخرها لتوسيع نفوذها الإقليمي حتى ولو كان الثمن هو دمار اليمن وشعبه.
 
يدرك المتأمل في تعاقب الدول اليمنية، من معين وسبأ وقتبان إلى حمير وذي ريدان، أن اليمن ظل كياناً موحداً رغم المحاولات المتكررة لتفتيته؛ لكن المشهد الذي تفرضه مليشيا الحوثي اليوم، يختلف من حيث المآلات والأدوات، إذ لم تكتفِ بإغراق البلاد في الصراع الداخلي بل عملت على استجلاب القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى مستنقع الحرب، عبر تصعيدها المستمر واستهدافها الملاحة الدولية، وهو الأمر الذي لا يعكس مشروعاً يمنياً بقدر ما يعبر عن تنفيذ مباشر للأجندة الإيرانية.
 
إن المتابع للسياسات الحوثية يلحظ بوضوح أنها تكرارٌ لما تمارسه إيران في دول أخرى، حيث تستخدم أذرعها لخلق أزمات أمنية تستدعي التدخلات الخارجية بما يخدم استراتيجيتها التوسعية؛ فكما أُغرقت العراق وسوريا ولبنان في دوامات صراع لا تنتهي، تأتي اليمن لتكون الحلقة الجديدة في هذا المخطط، حيث تُوظَّف القضية الفلسطينية كذريعة بينما الهدف الحقيقي هو زج البلاد في صراع إقليمي ودولي يخدم طهران وحدها.
 
ولعل أخطر ما في المشهد الراهن، هو أن هذا الاستدراج الحوثي لدول العالم لم يأتِ في سياق مقاومة احتلال أجنبي أو استعادة سيادة مسلوبة، بل هو سلوك مقصود لإدامة الصراعات الإقليمية وتوظيف اليمن كساحة حرب بديلة لإيران، التي لم تجد طريقة أفضل لمواجهة خصومها سوى دفع وكلائها لإشعال المجازر، فيما تبقى هي بمنأى عن المواجهة المباشرة.
 
إن الالتفاف على الشرعية الوطنية والتمرد على الدولة، لا يمكن النظر إليه بمعزل عن المشروع الإيراني، فكما حاولت القوى الاستعمارية القديمة تفكيك اليمن تحاول إيران اليوم تفكيكه عبر أدوات داخلية لا تؤمن بالدولة بقدر ما تؤمن بولائها المطلق للولي الفقيه؛ ومن هنا، فإن التصدي لهذا المشروع لا بد أن يكون وعياً شعبياً وإدراكاً لحقيقة أن من يضع اليمن في مواجهة العالم إنما يسير به إلى هاوية لا نهاية لها، حيث يكون الوطن أول الخاسرين فيما تظل إيران تجني المكاسب من وراء الدمار.
 
إن التاريخ اليمني لم يشهد يوماً انقساماً على أسس مذهبية أو ولاءات خارجية، إلا مع ظهور المشروع الحوثي، الذي جعل اليمن جزءاً من حسابات طهران الجيوسياسية، مستخدماً خطاباً زائفاً عن "السيادة والمظلومية والاستقلال"، بينما ممارساته تؤكد أنه ليس إلا أداة رخيصة في يد مشروع تدميري لا يرى في اليمن إلا وقوداً لحروبه العبثية.
 
ولأن اليمن ظل موحداً رغم كل المحن فإن استعادة هذا المسار التاريخي تقتضي إدراك الحقيقة كما هي، لا كما يُراد لها أن تكون في الدعاية الحوثية.. فإما أن يكون اليمن سيد قراره وإما أن يُرهن مصيره لأجندات خارجية تستنزفه حتى آخر رمق، وهو الأمر الذي يضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية لتحديد الخيارات الوطنية الحقيقية قبل أن يتحول اليمن إلى ساحة صراع دائم لا يعود فيها شيء كما كان.

ذات صلة