فتح الحصار أم تفجير الحرب: كيف ساهم الحوثي في إنجاح خطط نتنياهو؟

- حسام ردمان
- قبل 9 ساعة و 50 دقيقة
قبل أن يعلن الحوثيون عن استئناف عملياتهم في البحر الأحمر، شهدت المنطقة -خلال شهر مارس الجاري- جملة من المتغيرات السياسية الهامة:
- حماس تتفاوض لأول مرة مع واشنطن بشكل مباشر، والمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط يرتب جولة تفاوض جديدة في الدوحة.
- ترامب ينفي نيته تهجير سكان غزة، وواشنطن تنفتح على المبادرة العربية لإعادة الإعمار بالتزامن مع تأييد صيني أوروبي لمخرجات القمة العربية الطارئة في القاهرة.
- نتنياهو يعاني داخليا أمام القضاء ويتصارع مع المعارضة السياسية والدولة العميقة، ويغرق بالخلافات مع حلفائه المتطرفين.
- خامنئي يتلقى رسالة رسمية من ترامب تدعوه للتفاوض. ثم يتلقى عراقجي رسالة أخرى سلمت عبر الوسيط الإماراتي، والخارجية الإيرانية تعلن عن جولة تفاوض مع المجموعة الأوروبية.
لقد كانت تفاعلات المنطقة تتجه نحو استعادة توازنها النسبي، وتميل إلى تفعيل المسارات الديبلوماسية بدلا عن سياسيات القوة. ولم ينغص هذا الاتجاه سوى مناورة نتنياهو اليائسة بفرض الحصار على غزة.
وكان ثمة خياران للتعامل مع هذه المناورة: إما الصبر الاستراتيجي وارغام الإسرائيلي على المكوث في مسار المفاوضات (أي التكيف مع ضغوط نتنياهو التكتيكية في مقابل إحباط أهدافه الاستراتجية)، او الانخراط في دورة تصعيد غير متكافئ وبالتالي الوقوع في فخ الحرب.
قرر الحوثيون المسارعة إلى الخيار الثاني، حتى قبل أن تبادر إليه حماس صاحبة الشأن. فما الذي آلت اليه الأمور؟
واشنطن تحارب في اليمن بضراوة غير مسبوقة وتحشد قوتها العسكرية في عموم المنطقة، وإسرائيل تنتهز الفرصة لتعاود بعد أيام معدودة حربها في قطاع غزة، والعرب يخسرون الزخم الدولي والإسلامي الذي جرى حشده لاجل خطة إعادة الإعمار.
أما إيران فتتبرأ من التصعيد في اليمن وتتخلى عن سردية وحدة الساحات، وتترقب بخوف حدوث أي ضربة عسكرية مباشرة وتكتفي بالتأكيد على أنها ستكون صاحبة الضربة الثانية.
والخلاصة الماثلة أمامنا اليوم هو أن الحوثي، ومع كل دورة تصعيد "ايمانية"؛ إنما يساهم في عسكرة المنطقة بما يصب أكثر في صالح أمريكا، وبما يضعف الموقف الفلسطيني ويشوش على الجهود العربية، بل إنه وبصورة عكسية كان يقوض أيضا قدرة الردع الإيراني.
ويظل المستفيد الأكبر من تصعيد الحوثي هو بنيامين نتنياهو الذي زودته "جبهة الاسناد" بما يحتاجه من ذرائع سياسية كي يهرب من الضغوط المحلية والدولية الممارسة عليه، وهيأت له المناخ الإقليمي الملتهب كي يستأنف وعده بتغيير توازنات الشرق الأوسط.
تقتضي الواقعية السياسية أن يبادر الطرف الأضعف في الصراع إلى شراء الوقت وتخفيف الأضرار، وأن يقدم التنازلات المعقولة والمبادرات الذكية لحرمان خصمه من فرص التصعيد، طالما تعذر عليه امتلاك القوة العسكرية الكافية للردع.
هذا المبدأ طبقة الحوثيون بانتهازية في استوكهولم حينما كانوا على شفى الهزيمة، ولن يخجلوا من تطبيقه مستقبلا لو تقدمت قوات الشرعية مجددا إلى قلب الحديدة وعادت إلى تخوم صنعاء.. لكنهم يستكثرونه اليوم على غزة رغم أنها على شفى الإبادة.
وستكون المصيبة أعظم لو اعتقد الحوثيون فعلا بأن مشاغباتهم العسكرية في البحر الأحمر سوف تكون مجدية لفك الحصار عن غزة، أو أنها سوف تمثل ضمانة مستقبلية لعدم تجدد الحرب. رغم ان هذا الكلام قد اثبت فشله عمليا منذ نوفمبر 2023.
وبالأخير فإن ما أوقف الحرب في غرة كان ضغط ترامب على تل أبيب، وما أفشل مشروع التهجير كان الضغط العربي على واشنطن وتل ابي. أما عمليات المحور الإيراني فلم تضف أي جديد سوى توسيع رقعة الصراع دونما مردود استراتيجي.
وللأسف الشديد فإن تجربة عام ونصف من الموت والدمار لا تبدو كافية حتى الآن كي يستوعب "الممانعون" بأن منطق الجماعات المليشياوية الطائفية وما تقوم به من عمليات تكتيكية مارقة، لا يمكن له أبدا أن يخلق معادلة ردع استراتيجي ضد كيان توسعي متفوق تسليحيا ومعلوماتيا وتقنيا، ومسيج بدعم غير محدود من أقوى دولة في العالم.