من تل أبيب إلى الحديدة: تصعيد حوثي يفاقم الأزمة اليمنية

  • وكالات، الساحل الغربي
  • 12:53 2024/07/23

لم تنفك الآلة الإعلامية الحوثية ومحور إيران عن الحديث المكرر عن نصرة غزة وإسقاط الاستكبار الإسرائيلي والأميركي بتفجير محدود أحدثته طائرة مفخخة انفجرت في حي سكني بتل أبيب فجر الجمعة الماضية، إذ قال زعيم الجماعة أمس الأحد إنهم من أطلقوها في إطار "معادلة جديدة للحرب بالمنطقة"، في حين يكتنف الشك والريبة تحليلات غالبية المراقبين السياسيين إزاء خلفيات هذه الحادثة وحيثياتها.
 
وأمام الهجمات الحوثية ردت إسرائيل بقصف جوي عنيف استهدف مساء السبت ميناء الحديدة المطلة على البحر الأحمر (غربي اليمن) ومصافي النفط الواقعة بداخله، راح ضحيته ستة قتلى و80 جريحاً، في كارثة جديدة تطاول مقدرات البلاد لتفاقم مأساته الإنسانية الأسوأ على مستوى العالم.
 
وفضلاً عن المقامرة باليمن ومستقبله في سبيل الأهداف الخاصة للجماعة يبرز التساؤل عن الجدوى الموضوعية للأهداف المعلنة لعمليات الحوثي من الناحية العسكرية والاستراتيجية استناداً إلى ما حققته 10 أشهر من المناوشات غير المجدية عسكرياً ولا استراتيجياً لمصلحة القضية الفلسطينية بما فيها الضربة المثيرة للريبة والجدل بعدما اخترقت الأجواء الإسرائيلية وتفجرت قرب السفارة الأميركية.
 
وفي العملية التي وصفها بيان الحوثيين بـ"النوعية"، قتل إسرائيلي وجرح 10 آخرون بحسب إعلان هيئة البث التي أكدت "إجراء الحكومة الإسرائيلية جملة من التدابير منها اجتماع تقييم الأوضاع الأمنية"، تبعه القصف الجوي على الحديدة، فيما قالت المعارضة إن حكومة بنيامين نتنياهو "فقدت القدرة على توفير الأمن للإسرائيليين في أي مكان بإسرائيل".
 
المقامرة باليمن نيابة عن إيران
وعقب ليلة حالكة عاشتها مدينة الحديدة جراء القصف الإسرائيلي الذي أدخل المدينة الساحلية في سحابة كئيبة سوداء لا تزال تخشى المقبل مع وعيد  حوثي لا ينقطع، تزايدت مخاوف السكان من تكرر الغارات في بلد لا يمتلك نسبة بسيطة من مستوى تكافؤ الفرص مع القوة الإسرائيلية التي أعلنت صراحة مسؤولية إيران عن هجوم تل أبيب ووضع استهداف الأراضي اليمنية على طاولة النقاش، خصوصاً أن المتحدث الرسمي للحوثيين استبق ذلك باستعداد الجماعة "لكل السيناريوهات"، مما قد يوسع من دائرة الحرب والصراع، خصوصاً أن الجماعة الموالية لإيران أعلنت اليوم إطلاق صواريخ باليستية نحو إسرائيل أكدت الأخيرة التصدي لها.
 
القيادة إلى المحرقة
إزاء ذلك يقول الخبير العسكري عبدالعزيز الهداشي إن الحوثي يقود اليمن إلى محرقة ستقتل من بقي من اليمنيين الذين ما زالوا يتنفسون نيابة عن إيران، ويشير إلى أن إمكانات الحوثي تعادل واحداً إلى 10 آلاف بالنسبة إلى الحوثيين، حتى الضربات التي شنها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 لم تكُن مؤثرة عدا عن تدمير زجاج سيارة في إيلات لا أكثر في حين أن أميركا لم تكُن ترغب في توسيع نطاق الحرب وكانت تردّ على الحوثي ردّاً ناعماً.
 
ويؤكد الهداشي أن ما حدث "هو تجاوز لقواعد الاشتباك بمقتل إسرائيلي في تل أبيب وجرح سبعة، بالتالي ردت إسرائيل بنفسها هذه المرة"، مضيفاً أن هذا التطور ناتج من مغامرات حوثية تقحم البلاد في حرب مع إسرائيل والجماعة لا تملك منظومة دفاع جوي ولا قوة متكافئة، ويفسر هذا السلوك بأنه نهج الجماعات الميليشياوية التي تخلق أعداء، ولو لم يكُن هناك عدو، ستختلق عدواً لأن مشروعها يقوم على اختلاق المعارك، فالوهم منهج أي ميليشيات لا تعيش إلا في بيئة الحروب.
 
ويتطرق إلى استخدام اسرائيل مقاتلات "أف- 35" وهي نوعية حديثة من الصعب أن تلتقطها رادارات بعض البلدان فكيف بدول العالم الثالث، مستحضراً  الضربات التي حدثت في العراق عام 1991 عندما تم تدمير البلاد في حين لم تستطِع أنظمة الدفاع الجوي فعل شيء يذكر.
 
فرحة بالضرب
وفي حروب من هذا النوع لا بد من أن تمتلك طيراناً مقاتلاً يقصف أهدافاً مماثلة، فيحدث نوع من التكافؤ فضلاً عن قوات الردع الأخرى وهذا الأمر لا يملكه الحوثي الذي يقدم اليمن سائغة ومكشوفة ويخوض حروب بإمكانات صفرية ويناوش بالمسيّرات.
 
ويوضح الهداشي أن الحوثيين "لا يخشون على البلد ومقدراتها ودماء أهلها وما فيها وكل المنشآت وإن أحرقت لا تهمّهم وهذا سلوك إيران وأذرعها التي تقاتل نيابة عنها وبعيداً منها".
 
ويفسر أن الدفاع الحوثي نابع من بحثه المستمر والحثيث للاشتباك المباشر مع إسرائيل، موضحاً أن
"الحوثيين تتملكهم السعادة إزاء الضربة الإسرائيلية أمس لأنه منذ 20 عاماً يبحثون عن ذريعة يبررون بها شعارهم الذي يرفعونه "الموت لأميركا... الموت لإسرائيل" ولو أدى ذلك إلى حرق اليمن كله، فهذا لا يهمهم أبداً".
 
ويرى أن "لا معنى لأي عمل عسكري ضدهم إذا لم يستهدف قيادات الجماعة شخصياً، خصوصاً وهي تعرفهم وتعرف مواقعهم".
 
الاستهتار مهلكة
ويقلل الهداشي من تأثيرات الضربة الحوثية في إسرائيل ولكنه في الوقت ذاته يحذر من تنامي قدرات الجماعة العسكرية على غفلة من خصومها.
 
ويعتبر أن أي ميليشيات بإمكانها قصف أي منطقة جغرافية اليوم، خصوصاً أن الإحداثيات لم تعُد مجهولة ومن الممكن تحديدها من الإنترنت وتبرمج مسبقاً على الهدف نفسه.
 
ويساوي بين احتمالية أن تكون المسيّرة أطلقت من اليمن أو من لبنان أو سوريا أو العراق، ولكن بالنظر إلى المسافة الطويلة التي قطعتها يؤكد أن "غالبية المسيّرات تحلق لفترات طويلة لأنها تعمل بأشبه ما يكون ببطارية تشحن وليس بالمحروقات التي تحتاج إلى وزن وسعة أكبر".
 
وبالحديث عن فشل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي المتطورة في رصد جسم المسيّرة كما يتردد، يقول إن غالبية الرادارات لا تكتشف كل المسيّرات خصوصاً الصغيرة منها ولكن يمكن رؤيتها بالعين المجردة وما حصل هو حال ارتخاء في إسرائيل.
 
ويوضح أن هذه الغفلة العسكرية سببها طمأنينة إسرائيل من عدم قصفها سواء من "حماس" أو من "حزب الله"، كما حدث على غفلة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وغيرها من الأحداث العسكرية الكبرى التي تشهد انتكاسة سريعة بسبب هذا النوع من التراخي واللامبالاة".
 
مع ذلك يقرّ بأن إيران زودت الحوثي بإمكانات عسكرية متطورة منها صورايخ كروز والصواريخ الباليستية والمسيّرات ولكن خصوم الحوثي مستهترون به وهذا الاستهتار هو ما سبّب انتصاره وبقاءه كل هذه المدة.
 
الخروج عن اللعبة بمصير بن لادن
ووسط تضارب البيانات العسكرية واتهامات من المعارضة للحكومة بالفشل في حماية أمن إسرائيل، يرى الهداشي أن الحادثة لا تعبّر عن اختراق أمني كبير وليس لها بعد استراتيجي مؤثر، ولهذا لا يتوقع أن تثير أي تطورات عدا بعض الإجراءات الأمنية لأنها "عملية بسيطة ولا تكاد تذكر وسيتم احتواؤها، خصوصاً أن الإدارة الأميركية لا تريد توسعاً لنطاق الحرب ولكن من الوارد جداً قصف نقاط عسكرية معينة في صنعاء أو الحديدة سواء من الطيران الإسرائيلي أو الأميركي والبريطاني".

ذات صلة