الصنعاني والشوكاني.. مُقوضا أركان دولة الكهنوت (3-3)

  • بلال الطيب
  • 11:29 2023/01/27

إذا وجد المستشار الأمين، ووجد الحاكم الذي يستمع له، ويعمل بنصيحته، وجدت الدولة العادلة، أو شبه العادلة، وذلك غاية ما تَدعوا له الشرائع السماوية، والفطرة الإنسانية المُسالمة، ورغم ماضي الإمامة الزّيدِيّة المُوغل – باسم الله – في الظلم والتوحش، ثمة مَرحلة تاريخية مُختلفة، نحن بصدد تناولها، صحيح أنَّه لم يسودها العدل الشامل، إلا أنَّها كانت إلى الملك الدنيوي أقرب، يتحمل وزر مثالبها الحاكم لا خالقه.
 
صرخة الحوثي
 
توفي المهدي عباس يوم الخميس 19 رجب 1189هـ / 14 سبتمبر 1775م، وقد سار ولده وخلفه المنصور في السنوات الأولى من حكمه على خطاه، ثم ما لبث – كما أشار المُؤرخ لطف الله جحاف كاتب سيرته – أنْ «استرخى للمُلك، ومال إلى اللذات، وحياة الترف، والإكثار من الزواج، واقتناء السرائر الحسان، والجواري الملاح، كما أكثر من بناء القصور، وزخرفتها بأنواع الزخارف، وأصناف النقوش، وتأثيثها بأفخر الرياش، وأثمن الفرش»، ويُعد دار الحجر في وادي ظهر من أبرز إنجازاته.
 
كانت غالبية حروب المنصور علي دفاعية، فهو لم يخرج خلال مُدة حكمة التي تجاوزت الـ 35 عامًا من صنعاء لغزو، بل أناب عنه في مُعظمها ولده الأكبر، وقائد أجناده الأمير أحمد، وتبعًا لذلك لم يعد هذا الإمام كأسلافه حاكمًا باسم السماء، مُحرضًا للجهاد ضد كفار التأويل، أعداء المذهب وأعدائه.
 
أسهم ذلك التوجه الإمامي في تنامي حِراك صنعاء الفكري، لتبرز في ذلك الخضم حركة رفض شيعية مُناهضة له، تبناها غلاة الزّيدِيّة، كان لهم مساجدهم ومجالسهم الخاصة، يلوكون فيها ما يتفق وهواهم، ويشتمون هذا، ويطعنون بنسب هذا، وقد تصدى لهم العلامة محمد بن علي الشوكاني بكل ما أوتي من عقل وحكمه، تمامـًا كما فعل العلامة ابن الأمير الصنعاني من قبل.
 
ولد العلامة الشوكاني في هجرة شوكان يوم الاثنين 28 ذو القعدة 1173هـ / 11 يوليو 1760م، وهي قرية من قرى الحامية إحدى قبائل خولان العالية، وينحدر من أسرة تنتمي إلى فئة القضاة، ويتصل نسبه بشيخ بكيل الدعام بن إبراهيم، أحد مُعاصري الهادي يحيى بن الحسين الرسي.
 
نشأ العلامة الشوكاني في صنعاء، وأخذ في طلب العلم بجميع فنونه، وتفقه على مذهب الإمام زيد، وبرع فيه، وفاق أهل زمانه، وتصدر للإفتاء وهو في سن العشرين، وتحلى بمنصب الاجتهاد وهو دون الثلاثين، ولم يقيد نفسه بمذهب معين؛ بل رد على خصومه بأنَّه يقف موقفًا واحدًا من جميع المذاهب، والأهم من ذلك أنَّه أسهم من خلال دروسه في نشر فكره المُعتدل، حتى صار له تلاميذ وأنصار كثر.
ولم يقتصر اهتمام العلامة الشوكاني على دِراسة العلوم الشرعية؛ بل امتد إلى دراسة العلوم العقلية مثل: الرياضيات، والكيماء، والهندسة، بالإضافة إلى علوم الفلسفة، والمنطق، والتاريخ، والأدب؛ الأمر الذي يشير إلى انفتاحه الفكري على كل علوم ومعارف عصره. وألف في شتى العلوم، في التفسير، والحديث وعلومهما، والفقه، والنحو، والمنطق، والتاريخ، والأصول، والأدب، وله الشعر الرائق، والنثر البليغ، وبلغت كتبه نحو 180 مُصنفًا، وامتدحه الناس شعرًا، ونثرًا، وكاتبه الملوك والعلماء من مختلف الأقاليم، وحظي فكره باهتمام كثير من الباحثين، وتعددت وتنوعت الدراسات التي غطت جوانب مُختلفة من فكره وحياته.
 
حارب العلامة الشوكاني – أول ما حارب – التعصب المذهبي؛ «لما يترتب عليه من الفتن المفضية إلى سفك الدماء، وهتك الحرم، وتمزيق الأعراض، واستحلال ما هو في عصمة الشرع ما لا يخفى على عاقل»، فجرت له مع مُتعصبي الزّيدِيّة محن وخطوب، جعلته بعد مقولته السابقة ينتقدهم بقوله:
 
تـــشيـــع الأقــــــوام في عــصــــرنا
 
 مُنـحصـر فــي أربــع مـــــــن بـــدع
 
عــداوة الـــســـنــة، والــــثــــلــب لـ
 
 لأســـــلاف، والجمـع، وترك الجُمع
 
 
 
وهو في الـ 35 من عمره، وأثناء تصدره للتدريس في جامع صنعاء الكبير 1208هـ / 1794م، كتب العلامة الشوكاني رسالة أسماها: (إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي)، دافع فيها عن الصحابة رضوان الله عليهم، جراء ما يتلقونه من السب المُقذع، والتجريح الشنيع من قبل مُتعصبي الزّيدِيّة، الأمر الذي أثار غضب الأخيرين، شنوا هجومهم عليه، وناله من أذيتهم الكثير، وقال عنهم: «فجالوا وصالوا، وتعصبوا وتحزبوا، وأجابوا بأجوبة ليس فيها إلا محض السباب والمشاتمة، وكتبوا أبحاثًا من كُتب الإمامية والجارودية، وكثرت الأجوبة حتى جاوزت العشرين، وأكثرها لا يعرف صاحبه».
 
وأضاف: «لقد شاهدت من التعصبات في هذه الفتنة ما بهرني من الخاصة والعامة، التي غلت مراجلها، وكادت تعم أهل صنعاء، ثم تسري بعد ذلك إلى سائر الديار اليمنية، ولقد تغيرت بهجة هذه المدينة العظيمة، وتكدرت مشاربها».
 
توقف العلامة الشوكاني عن إلقاء دروسه أيامـًا، ولم يُسارع بالرد على هؤلاء المُتعصبين، وما حزَّ في نفسه كثيرًا موقف مُعتدلي الزّيدِيّة، ممن يؤيدونه فكرًا وغاية، سيطر عليهم الخوف، والتزموا الصمت؛ حتى لا يطالهم ما طاله، فانتقدهم لموقفهم ذاك قائلًا: «ولو تكلموا بالصواب، أو نصروا من يتكلم به، أو عَرَّفوا العامة إذا سألوهم الحق، وزجروهم عن الاشتغال بما ليس من شأنهم، لكانوا يدًا واحدة على الحق، ولم يستطع العامة ومن يلتحق بهم من جهلة المتفقهة إثارة شيء من الفتن».
 
لم يكتفِ مُتعصبو الزّيدِيّة بالشتم والتجريح، وتأليب العوام؛ بل توجهوا صوب المنصور علي، مُبالغين في شكواهم، مُحرضين إياه على أنْ ينزل بغريمهم أقسى العقاب، إلا أنَّه – أي الإمام – لم يعرهم أي اهتمام، وقد صور العلامة الشوكاني ذلك المشهد بقوله: «وعظم القضية عليه – يقصد الإمام – فمنهم من يشير عليه بحبسي، ومنهم من ينتصح له في إخراجي من موطني، وهو ساكت لا يلتفت إلى شيء من ذلك، وقاية من الله، وحماية لأهل العلم، ومُدافعة عن القائمين بالحجة في عباده».
 
اللافت في الأمر أنَّ موقف المنصور علي – هنا – مُشابه تمامـًا لموقف والده المهدي عباس، الذي وقف إلى جانب العلامة ابن الأمير الصنعاني، في فتنة مُشابهة حدثت قبل 26 عامًا – سبق أن تحدثنا عنها – والأهم من ذلك، ومن منطلق رب ضارة نافعة، تحول العلامة الشوكاني إلى صديق مقرب لذلك الإمام، وعينه الأخير كاتبًا له.
 
كان أول عمل قام به المنصور علي – عام توليه الإمامة – أن أعاد تعيين العلامة يحيى بن صالح السحولي قاضيًا للقضاة، وبوفاة الأخير 1 رجب 1209هـ / 21 يناير 1795م، صار ذلك المنصب شاغرًا، وهو المنصب الثاني من حيث الأهمية بعد منصب الإمام، وبعد أخذ ورد بينه وبين مُستشاريه، لم يجد إمام صنعاء من هو أهل لذلك المنصب من صديقه العلامة الشوكاني.
 
تولى العلامة الشوكاني منصب القضاء الأكبر، بعد تردد كبير، فقاده باقتدار لافت، وأكسبته هذه الوظيفة ووظيفته الأخرى (كاتب الإمام) نفوذًا كَبيرًا، وصار من رجال الدولة الفاعلين، أدى دوره كمستشار سياسي أمين على أكمل وجه، وكانت نصيحته الصادقة مسموعة عند ولاة الأمر، وعند غيرهم، والأهم من ذلك تنامي دوره الإصلاحي في المُجتمع اليمني، وأصبح أكثر ارتباطًا بالناس ومُعاناتهم، ومنهم استمد قوته، ومضى مُدافعًا عن حقوقهم حتى آخر لحظة من عُمره.
 
في العام التالي لتولي العلامة الشوكاني ذلك المنصب، وامتدادًا لحركة الرفض الشيعية التي سبق أنْ أشرنا إليها، قام متعصبو الزّيدِيّة بمسيرة ليلية صاخبة في شوارع صنعاء، مُرددين فيها لعناتهم على معاوية بن أبي سفيان، ثم توجهوا غاضبين صوب منازل من كانوا يلقبونهم بـ (الأمويين) كآل العلفي، وبعض علماء السنة، وقذفوها بوابل من الحجارة. وجه المنصور علي عساكره لصدهم، فخمدت الفتنة.
 
كانت غالبية الغزوات القبلية التي حدثت خلال تلك الحقبة انفرادية، وبدوافع اقتصادية بحتة، ولا تتعدى الرغبة بالفيد والغنيمة، حاول متعصبو الزّيدِيّة وبعض الأمراء القاسميين استغلال ذلك التوجه الشائن، ولم يعدموا المبررات الدينية المحفزة له، وتجييره سياسيًا بما يخدم هواهم، ويجاري طموحاتهم، تمامًا كما فعل الهادي يحيى، ومن تبعه من الأئمة من قبل.
 
كان القضاة من آل العنسي (أحفاد عبهلة) السباقين في ذلك، وهم من عُرفوا بتعصبهم المذهبي، وتشيعهم لأي طامح علوي يستنجد بهم، وقد قاد القاضي عبدالله بن حسن العنسي عدة غزوات جنونية مُوزعة على عدد من المناطق الوسطى، فيما عاودت  قبيلة خولان – هي الأخرى – غزواتها، وقامت بقيادة الشيخ محمد بن سعيد أبو حليقة بغزو حبيش، وآنس، وعنس، وريمة، وقد وصف العلامة الشوكاني ذلك الوضع المُؤلم بقوله: «فبالله كم من بحار دم أُريقت، ومن نفوس أُزهقت، ومن محارم هُتكت، ومن أموال أُبيحت، ومن قرى ومدن طاحت بها الطوائح، وصاحت عليها النوائح، بعد أن تعطلت وناحت بعرصاتها المُقفرات النوائح».
 
كما شنَّ – أي الشوكاني – هجومًا حادًا على تلك القبائل، واصفًا إياها بأشنع الصفات، ومن ضمن ما قاله: «غالبهم يستحل دماء المسلمين وأموالهم، ولا يحترمها، ولا يتورع عن شيء منها، وهذا مُشاهد معلوم لكل أحد، لا ينكره جاهل، ولا غافل، ولا مقصر، ولا كامل، ففيهم من آثار الجاهلية الجهلاء أشياء كثيرة يعرفها من تتبعها»، وأضاف: «كلهم إلا النادر الشاذ، لا يحسنون الصلاة، ولا يعرفون ما لا تصلح إلا به، ولا تتم بدونه من أذكارها، وأركانها؛ بل لا يوجد منهم من يتلو سورة الفاتحة تلاوة مجزأة إلا في أندر الأحوال!».
 
بعد مضي ستة أعوام من مظاهرات مُتعصبي الزّيدِيّة الأولى، أصر أحدهم ويدعى يحيى بن محمد الحوثي ذات نهار رمضاني على الذهاب إلى الجامع الكبير، كي يجاهر بسب ولعن الصحابة، إلا أنَّ المنصور علي وجه بإعادته إلى حيث كان (جامع الإمام صلاح الدين).
 
ثار حينها أنصار الحوثي 14 رمضان 1216هـ / 17 يناير 1802م، ومنعوا إقامة الصلاة، ورفعوا أصواتهم باللعن، وانضم إليهم من في نفسه دغل للدولة، أو متستر بالرفض، ثم اقتدى بهم سائر العامة، فخرجوا إلى الشوارع، يصرخون بلعن الأحياء والأموات، حتى صاروا ألوفًا مؤلفة، ثم توجهوا إلى بيوت معارضيهم من مُعتدلي الزّيدِيّة، خربوا، وكسروا، وأحرقوا، ونهبوا، وأفزعوا الأطفال والنساء.
 
اجتمع المنصور علي في اليوم التالي بأعوانه ومُستشاريه، أشار عليه العلامة الشوكاني بحبسهم، ففعل، ومن ثبت تلبسهم بالسرقة، ضربوا وعزروا بضرب المرافع على ظهورهم، أما رؤساء تلك الفتنة فقد أرسلوا مُقيدين بالسلاسل إلى زيلع، وجزيرة كمران، وحبسوا فيهما، ونتيجة لذلك اتهم المُتعصبون العلامة الشوكاني بقتل أحد فقهائهم، وعمدوا على اغتياله وهو يُدرس في الجامع الكبير.
 
 
 
الدواء العاجل
 
بعد الحملة الفرنسية على مصر 1213هـ / 1798م، سارع الإنجليز باحتلال جزيرة ميون، ثم كمران، ولم يستقروا فيهما بسبب تضاريسهما الوعرة، ليعقدوا بعد ذلك اتفاقًا مع صاحب أبي عريش حمود بن محمد أبو مسمار، واشترطوا عليه أنْ لا يستخدم الفرنسيون جُزر وموانئ البحر الأحمر التابعة له، وهو ذات الطلب الذي توجهوا به إلى إمام صنعاء (المنصور علي)، خاصة وأنَّ ميناء المخا كان لا يزال تحت يد الأخير.
 
توجه الجنرال البريطاني ولسون في مطلع العام التالي إلى صنعاء 20 محرم 1214هـ / 24 يونيو 1799م، والتقى المنصور علي، وقد رفض الأخير طلبه بخصوص وضع القوات الإنجليزية في الأراضي اليمنية، واكتفى – أي الإمام – بحظر استخدام السفن الفرنسية للموانئ اليمنية، والسماح للإنجليز بإقامة مستشفى في مدينة المخا، لاستقبال المرضى والجرحى من جنودهم.
 
عين الإنجليز بعد ذلك السير هوم مندوبًا لهم في الجزيرة العربية 1217هـ / 1802م، ومنحوه صلاحيات كاملة لعقد مُعاهدات تجارية مع حكام المنطقة، وقد بدأ الأخير أولى مهامه بالتوجه من كلكتا إلى المخا، ومن الأخيرة أرسل ببعثة تفاوضية إلى صنعاء، برئاسة المستر اليوت (توفي في ذات المدينة بالحمى، وحل الملازم لامب، والدكتور برنجل محله)، وقد رفض المنصور علي التوقيع على المعاهدة التجارية المقترحة؛ الأمر الذي حفز السير هوم على التوجه جنوبًا، ونجح في توقيع ذات المعاهدة مع سلطان لحج أحمد بن عبد الكريم العبدلي.
 
أدت تلك الأحداث، المتبوعة أصلًا باحتكار الأمريكان لتجارة البن، وجميع تجارة اليمن الخارجية، أدت إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية، لترفع الصراعات الداخلية وسوء الإدارة من وتيرتها، وجعلت المنصور علي يلجأ إلى زيادة الضرائب، وتغيير العملة، بمباركة وفتوى من بعض العلماء، بحجة أنَّ الدولة لا تقوم إلا على ذلك، ولا تتّم إلا بما جرت به العادة من الجبايات ونحوها، فعم الغلاء، وكثر البلاء، وزادت حوادث السرقة، والسلب، والنهب، وقطع الطرقات.
 
استاء العلامة الشوكاني من تصرف المنصور علي، وانتقده بقصيدة شعرية، وراسله ناصحًا بـ «ضرورة العدل في الرعية، والاقتصار في المأخوذ منهم على ما ورد به الشرع، وعدم مُجاراته في شيء، وإخلاص النية في ذلك، وإشعار الرعية في جميع الأقطار، والعزم عليه على الاستمرار»، لينجح بعد ذلك في إقناعه بإصدار مرسوم – حرره بيده – يقضي برفع المظالم عن الرعية، والاقتصار على ما حدده الشرع، وبصفته قاضي القضاة أمر عمال الدولة بتنفيذه، إلا أنَّ الأمراء الاقطاعيين وبطانة السوء حالوا دون ذلك.
 
لم ييأس العلامة الشوكاني حينها؛ بل سارع في كتابة رسالة (الدواء العاجل في دفع العدو الصائل)، شخّص فيها الأدواء الماثلة، ووضع الحلول الناجعة الصالحة لكل زمان ومكان، وأكد أنَّ مصدر الخلل هو عدول أولي الأمر عن القيام بوظائفهم الأساسية من حفظ شرع الله، وإقامته بين الناس، واستغلال مناصبهم الإدارية في خدمة أغراضهم الشخصية، وتحسين وضعيتهم المالية، وأضاف: «فإن الأمور الشرعية والفرائض الدينية هي التي شرّع الله نصب الأئمة والسلاطين والقضاة لإقامتها، ولم يشرّع نَصْبَ هؤلاء لجمع المال من غير وجهه، ومصادرة الرعايا في أموالهم بإضفاء ما أوجبه الله عليهم».
 
كما أنّه قام بتقسيم المُجتمع اليمني إلى ثلاثة أقسام: رعايا يأتمرون بأمر الدولة، ورعايا خارجون عن سلطان الدولة، وسكان المُدن، وبيّن أنَّ مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل ولاية انحصرت في ثلاثة مسؤولين: عامل، وكاتب، وقاض. شن هجومه على ثلاثتهم، فالعامل – حد وصفه – لا عمل له إلا استخراج الأموال من أيدي الرعية بالحق والباطل، والكاتب شريكه في كل شيء، وليس له من أمر إلا جمع ديوان يكتب فيه المظالم التي يأخذها العامل من الرعايا، أما القاضي فقد اتهمه بأنَّه جاهل بالشرع، وبأحكام القضاء، ولا يدفع الظلم عن الرعية، ولا يأخذ بيد الظالم، وأنَّ جل همه جمع الأموال من الخصوم، والدفاع عن منصبه ببعضها [2].
 
 
 
وإمسـاك الدخان عسير
 
وصف اللورد فالنتيا ــ وهو رحالة أوربي ــ المنصور علي بأنَّه ضعيف الإرادة، واهن العزيمة، الأمر الذي انعكس سلبًا على مَسار الدولة القاسمية؛ فدخلت مرحلة الضعف، والانكماشة الشديدة، في الوقت الذي كانت فيه الدولة السعودية الأولى في قمة عنفوانها، قامت الأخيرة بعد 61 عامًا من تأسيسها بِعدّة عمليات توسعية شملت مُعظم مناطق الجزيرة العربية، وصلت في إحداها إلى مشارف صنعاء، وهددت دولة الإمامة بالزوال.
 
كان أهالي عسير سباقين في قبول دعوة آل سعود الوهابية؛ لاعتبارات عدة، أهمها أنَّها صادفت هوى كثير من مشايخهم وعلمائهم الذين عُرف عنهم بغضهم الشديد للزّيدِيّة، وأئمتها المُختلفين معهم مذهبيًا، وكان محمد بن عامر الشهير بـ (أبي نقطة)، وأخوه عبد الوهاب من أبرز المُنضمين لتلك الدعوة الطارئة، وأسهما إلى حد كبير بتوسعاتها في المناطق المجاورة.
 
قبل التوسع في تلك التفاصيل أكثر، وجب التذكير أنَّ المخلاف السليماني كان حينها تابعًا شكليًا للدولة القاسمية، فيما كان آل خيرات أصحاب أبي عريش حكامه الفعليين، وهم علويون سنيون، وكان الأمير حمود بن محمد أبو مسمار أقواهم جميعًا، أعلن بعد عام من توليه الحكم مُقاومة آل سعود، الذين غزوا بلاده بمساعدة قبائل عسير 1217هـ / 1802م، وانتصروا عليه بعد معارك شديدة، راح فيها مئات الضحايا من الجانبين.
 
طلب أبو مسمار – قبل ذلك – دعمًا من المنصور علي، وحين لم يستجب الأخير لنجدته، أعلن من فوره ولائه لآل سعود الذين دعموه كي يزحف جنوبًا، فتمت له السيطرة التامة على اللحية، وزبيد، وحيس، استقطعها من خريطة الدولة القاسمية، فيما كانت سيطرة الدولة السعودية عليها وعليه شكلية.
 
لم يكتفِ أبو مسمار بذلك؛ بل وجه قواته نحو المناطق الجبلية، ليدخل بعض مشايخ حجة، وبلاد الشرف، وشهارة لبعض الوقت في طاعته 1219هـ / 1804م. كما امتدت سيطرته بعد أربع سنوات إلى كوكبان، أخضع أميرها شرف الدين بن أحمد لحكمه، وقيل أنَّ الأخير استنجد به، وحين حاولت قواته بقيادة ابن أخيه حيدر بن ظافر التقدم صوب صنعاء المُحاصرة حينها من قبل قبائل برط، عرقل الأهالي وصولهم، وأنهكهم الجوع، وأجبروا بعد وفاة قائدهم على العودة إلى تهامة خائبين.
 
رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والتمردات القبلية المتتابعة، عمل المنصور علي على إرسال الحملات العسكرية لاستعادة تهامة، كان أشهرها حملة بقيادة يحيى بن محسن المُتوكل رمضان 1221هـ / نوفمبر 1806م، ذكر المُؤرخ جحاف أنَّ القتلى التهاميين وصلوا فيها لحدود 410 قتيل، منهم 60 امرأة، ثم عززها – أي المنصور علي – مع نهاية ذات العام بحملة أخرى، وكان مصيرها الفشل الذريع.
 
وفي العام التالي، قام ذو محمد بحصار مدينة صنعاء لأكثر من أربعة أشهر، فـ «امتنع بهم دخول الأرزاق المجلوبة من جميع الآفاق، وزادت الشكاية إلى أنَّه لا يمكن خروج رجل من المدينة إلا برفيق من البغاة، يجعل له أمانًا جُعلًا، وهو على خطر من سفك دمه، وإنما يخرج الرجل لا يدري ما يقع عليه من السلامة من عدمها»، كما أفاد الـمُؤرخ جحاف في درره.
 
ضج العامة بالتذمر والشكوى، وتوجهوا إلى المقام الشريف مُطالبين بفك ذلك الحصار، ولم تنقشع عنهم تلك الغُمة إلا بحلول شهر رمضان الفضيل، عاد المتفيدون أدراجهم، وأعاد القاضي يحيى بن عبد الله بن حسن العنسي في أواخر الشهر التالي الكرة على صنعاء زائرًا، ومعه عدد من أفراد قبيلته (ذي حسين)، وهي زيارة ظاهرها مُراجعة المنصور علي، وباطنها اغتيال الوزير حسن بن حسن العلفي المُتهم الرئيس بإيقاف أعطياتهم. نجا الوزير العلفي من الموت بأعجوبة، فأصدر إمام صنعاء في لحظة غضب أوامره بإهدار دم من حاولوا اغتياله، فتعرض لهم العامة في الطرقات والأزقة، وقتلوا 18 رجلًا.
 
أما كبيرهم القاضي العنسي فقد احتمى بأحد المنازل، ولم يستسلم إلا بعد أنْ أعطي الأمان من قبل الأمير أحمد (ابن الإمام)، ليوجه الإمام بعد ذلك بإعدامه، وابنه صالح، وعمه يحيى، الأمر الذي أغضب ولي العهد كثيرًا، ومهد لانقلابه الأبيض كما سيأتي.
 
بعد تسعة أشهر من مقتل ولده، قاد القاضي عبد الله بن حسن العنسي قبيلته ذو حسين صوب صنعاء، طلبًا للثأر والغنيمة، عسكروا في عصر، وبصحبتهم الأطفال والنساء، وأحكموا في باب اليمن حصارهم للمدينة المنكوبة، ومارسوا في ضواحيها سلوكهم المُحبب في القتل، والتخريب، والنهب.
 
اشتهر المنصور علي بإيكال أموره إلى وزرائه، حتى اضطربت أحوال دولته، وكاد زمامها أنْ يفلت من تحت يديه، خاصة عندما تولى الوزارة حسن العُلفى، الذي استبد وتحكم في كل شيء، واستخف بالأمراء، وقصر في أرزاق الأجناد، وأعطيات المشايخ، الأمر الذي شجع القبائل الشمالية على التمرد، فكثرت حوادث القتل، والنهب، وحُوصرت صنعاء أكثر من مرة، ومات كثير من سكانها جوعًا، وأنهك من تبقى في انتظار المجهول.
 
وكان العلامة الشوكاني قد قدم نصيحته الصادقة للمنصور علي بعزل الوزير المذكور، وعبر عن ذلك شعرًا، جاء فيه:
 
فقــــل لأمـــيـر الـمـؤمنـيــن إلى متى
 
 يــدبر أمـر المُلك مــن ليــــس يفهم
 
تــدارك أميــر المؤمنيـن الــذي بقى
 
 فـعـمـا قــــريب ليــس يغــني التـنـدم
 
وكــل مصاريف البـــريـة قطـــــعت
 
 ومــــــن قبــلـه كـانـت إليـــهـم تسلم
 
رعــاياكم مـــاتوا من الجوع جــهرة
 
 ومات رجــــــالٌ فضلــهم ليـس يُكتم
 
تحققت نبوءة العلامة الشوكاني، وبعد يومين فقط من حصار قبيلة ذي حسين لمدينة صنعاء، ثار سيف الإسلام أحمد على ذلك الوضع المُزري 26 رجب 1223هـ / 16 سبتمبر 1808م، قبض على الوزير العُلفي، وزج به في السجن؛ الأمر الذي أغضب والده الإمام، فأرسل ولي العهد جماعة من عساكره، أحاطوا بالمقام الشريف، ودارت مناوشات محدودة، تدخل المصلحون بسرعة لإخمادها.
 
كان العلامة الشوكاني واحدًا من أولئك المصلحين، وظّف ثقله السياسي بمساندة الأمير أحمد في انقلابه الأبيض، وكانت نتيجة مساعيه أنْ سُلمت السلطة إلى الابن، على أنْ يحكم باسم أبيه. وكان أول تصرف قام به الحاكم الجديد هو أنْ تواصل مع القاضي العنسي، ووعده خيرًا، وضمه وقبيلته إلى قوات قبلية أخرى، وجهها لإخضاع كوكبان المُحتلة حينها من قِبل قوات أبي مسمار، ولكن دون جدوى.
 
كانت كوكبان خلال تلك الحقبة أشبه بالإمارة المُستقلة، تعاقب على ولايتها أمراء من بيت شرف الدين، تحت مَظلة الدولة القاسمية، والمُفارقة العجيبة أنَّ أميرها شرف الدين بن أحمد عمل على تدريس الفقه السني في مَناطق حكمه، وهدد بالاستنجاد بآل سعود حين اختلف – كما سيأتي – مع الأمير أحمد، وقد اتهم المنصور محمد بن يحيى حميد الدين – فيما بعد – العلامة ابن الأمير الصنعاني بأنَّه هو من أفسد أسرة بيت شرف الدين، وغيرها؛ والإفساد الذي عناه تمثل بتسلل الفكر السُني المُعتدل إلى أفرادٍ من تلك الأسر، ومما قاله ذلك الإمام الطاغية نقتطف: «الأمير أفسد ثلاث بيوت عظيمة في اليمن: بيت المتوكل في شهارة، وبيت شرف الدين بكوكبان، وبيت إسحاق في صنعاء»!
 
بدأت الأوضاع بعد ذلك تتوتر بين آل سعود، وأبي مسمار، ليفتح الأخير خط تواصل مع الدولة القاسمية، اعترف له الأمير أحمد بما تحت يديه، واتفقا على أن يكونا يدًا واحدة لمواجهة الخطر السعودي الوهابي، شريطة أن يُعيد الأمير حمود له إحدى المناطق القريبة من ميناء المخا، وهو ما كان.
 
أنهى أبو مسمار بعد ذلك حربه مع آل سعود، وبصلح مُذل، ألزموه فيه بالتنازل عن صبيا، وبيشة، وأن يدفع لهم خراجًا سنويًا، واللافت في الأمر حدوث ذلك بالتزامن مع وصول طلائع قوات والي مصر محمد علي باشا إلى ميناء جدة رمضان 1226هـ / سبتمبر 1811م، التي بدورها قضت على الجميع.
 
وكان أهالي الروضة قد أعلنوا قبل انقلاب الأمير أحمد تمردهم، وذلك بإيعاز جماعة من آل الكبسي، وآل أبي طالب، ومُعاضدة من الأمير الطامح أحمد بن عبد الله بن المهدي عباس، ومساعدة من بعض القبائل الشمالية شوال 1222هـ / ديسمبر 1807م، وحين تقوى أمرهم، رام بعضهم خلع إمام صنعاء، وتنصيب الحسين بن عبدالله الكبسي بدلًا عنه، وكتبوا الى الاقطار اليمنية بذلك، فشلت جهود الوسطاء في إيقافهم، فخرج إليهم الأمير أحمد بحشد كبير من العساكر، قبض على قادتهم، فيما تشفع لهم العلامة الشوكاني من موت مُحقق، فأودعوا سجن صنعاء، ومات الحسين الكبسي مع بداية العام التالي في دهاليزه.
 
وقبل دعوة الحسين الكبسي بأكثر من عام، أعلن إسماعيل بن أحمد بن عبد الله الكبسي الشهير بـ (المغلس) من ظفير حجة نفسه إمامًا، مُتلقبًا بـ (المُتوكل)، وهو من الحمزات، كان من جُملة المُعترضين على تعيين العلامة الشوكاني قاضيًا للقضاة، وحين فشلت مساعيه – وغيره من غلاة الزّيدِيّة – في ثني المنصور علي عن قراره، قرر وأصحابه مُغادرة صنعاء شمالًا؛ لأنَّ مذهبهم يقرر: «إما تغيير الـمُنكرِ، أو الهجرةُ إلى بلدٍ غيرِ البلدِ الذي تُقـيم فيه»، مُحرضًا القبائل الشمالية ضد الدولة القاسمية.
 
بقي المُتوكل إسماعيل على دعوته في الظفير ثلاث سنوات، إلى أنْ داهمه الأمير أحمد – الذي كان حينها إمامًا – ضامرًا أسره، فهرب إلى صعدة، ومَكث فيها 13 عامًا، ثم اتجه إلى برط لعله يجد عونًا من أهلها، وحين خاب مسعاه، تخلى عن دعوته، وقيل غير ذلك، وانقطع للعلم والوعظ إلى أن توفي.
 
بعد وفاة المنصور علي 15 رمضان 1224هـ / 23 أكتوبر 1809م، آلت الأمور بسلاسة لولده الأمير أحمد ذي الـ 55 عامًا، الذي تلقب بـ (المُتوكل)، وهو أحد أبرز تلاميذ العلامة الشوكاني، أعاد للدولة جزءًا من هيبتها، وتخلص من بطانة والده، وأظهر الحزم، وبُعد النظر، وخَفض الضرائب، وأحسن للفقراء، وأخضع القبائل المتفيدة، وعفا عن كثير من المُتمردين.
 
توجهت قبائل بكيل – في العام التالي – صوب المناطق الوسطى، وعاثت فيها كالعادة نهبًا وخرابًا، لم يغض المُتوكل أحمد كوالده عنهم الطرف؛ بل توجه على رأس حملة عسكرية كبرى لمطاردتهم، وطهر عددًا من الحصون من قبضتهم، وتنقل – وعلى مدى ثمانية أشهر – من منطقة إلى أخرى، قضى شهرين منها في مدينة تعز، وبصحبته العلامة الشوكاني الذي أشاد به لتصرفه ذاك كثيرًا.
 
أعجب العلامة الشوكاني بمدينة تعز أيما إعجاب، ومدحها بقصيدة شعرية شاعرية، نقتطف منها:
 
أمـــــا تــرى تـــعـز فــي الليــل غــــدا
 
 يرتــقص الـجو بــهــا مــــن الـطــرب
 
كــأنــمـا الـــــقــات الـمــؤاتــــي بـــــها
 
 قضـــبــانُ يــاقــوت وأقـــراطُ ذهـــب
 
ومـاؤها يـحــكي الـــــهــواء رقــــــــة
 
 كمــا حكــى ذوب اللجيـن في الصبب
 
وبالعودة إلى أخبار الأمير شرف الدين بن أحمد (حاكم كوكبان)، فقد جدد – بعد أربع سنوات من الاستقرار النسبي – تمرده، وهدد بالاستنجاد بآل سعود، فقاد المُتوكل أحمد حملة عسكرية لإخضاعه صفر 1228م / فبراير 1813م، انتهت بعد ثلاثة أشهر بأسره، واقتياده إلى صنعاء، تدخل حينها العلامة الشوكاني – رفيق الإمام في تلك الحملة – وساعد – بعد أقل من عام – بالإفراج عنه، وإعادته إلى منصبه.
 
وكان العلامة الشوكاني قد صور مشهد أسر ذلك الأمير بقصيدة طويلة، نقتطف منها:
 
ويــــوم شبـــــام قــد رأيــت مــواعظًا 
 
تُـــخبـــــرنـــا أنَّ الـحـــيـاة غُـــــرور
 
رأيت مُـــــلـوكًا طـأطأ الــــدهر منـهم
 
 ودار بـهــــــم والــــدائـرات تــــــدور
 
وأنزلـهــم مـــن معقل شــامخ الذرى 
 
وعُطـــل منـــهم مـنـــبــــر وســـرير
 
ومن يــــأمن الدنيا يكن مثــل قابضٍ
 
 دُخـــانًا وإمسـاك الـــــــدخان عسير
 
جدد المُتوكل أحمد في أواخر عام 1228هـ العزم على استعادة تهامة إلى حظيرة دولته (الدولة القاسمية)، وأرسل إلى تلك الجهة حملة عسكرية جلها من قبيلة بكيل، ولكن دون جدوى، وفي بداية العام التالي جهز حملة أخرى، قادها بنفسه، إلا أنَّ رجال القبائل خذلوه، استنفدوا أمواله، وتركوه في منتصف الطريق، وعن ذلك قال صاحب (الحوليات): «وخاب السعي من النفوذ على تهامة، فكلما هيأهم المُتوكل للتحضير على المُخالفين طلبوا المغلَّبات، وما مقصدهم إلا الفساد، ووقع لهم شيء من المال، ورجعوا بلادهم، ورجع الإمام إلى صنعاء، ورجَّح مُكاتبة النجدي ومداهنته».
 
اضطر حينها المُتوكل أحمد أن يهادن آل سعود الذين عاودوا إرسال رسلهم ومكاتيبهم إلى صنعاء، وقد تولى العلامة الشوكاني – سابقًا ولاحقًا – مُهمة التفاوض والرد عليهم، وقال عن ذلك: «وما زال الوافدون من سعود – يقصد سعود بن عبد العزيز بن محمد الحاكم الثالث لتلك الدولة – يفدون صنعاء إلى حضرة الإمام المنصور وولده – يقصد المُتوكل أحمد – بمكاتيب إليهما، بالدعوة إلى التوحيد، وهدم القبور المُشيدة، والقباب المُرتفعة».
 
قام المُتوكل أحمد – بعد مشورة العلامة الشوكاني وعدد من العلماء – بهدم كثير من القباب والأضرحة، في صنعاء، وذمار، وغيرها من المناطق، وهي خطوة استباقية ذكية، أوقفت هجمات آل سعود التوسعية، واشغلتهم بالبحث عن ذرائع أخرى، حتى أتت الرياح بما لا تشتهي سُفنهم [3].
 
 
 
محاولات فردية
 
توفي المُتوكل أحمد مساء الأربعاء 17 شوال 1231هـ / 9 سبتمبر 1816م، فآل الأمر بالخديعة لولده الأكبر عبدالله، ذي الـ 23 عامًا، تلقب الأخير بـ (المهدي)، ووقف العلامة الشوكاني إلى جانبه، وامتدحه بالقول: «كان راجح العقل، شريف الاخلاق، محمود الخصال»، فيما قال عنه المُؤرخ الشجني: «كان لا يعرف مُنذ نشأ إلا السيف والسنان، ولا يأنس إلا إلى الضرب والطعان»، ووصفه المُؤرخ الكبسي بأنَّه «آخر ملوك الصولة والإقدام، والحل والإبرام».
 
وفي المُقابل قال عنه المُؤرخ الكبسي: «كان فتاكًا لا يبالي بالعواقب»، وهو ذات التوصيف الذي نقله المُؤرخ العرشي، بإضافة: ذكره ميلان ذات الإمام «إلى الفجور، وشرب الخمور، مع تعظيمه للشريعة، ومُقاتلته من ناوئها»، فيما اتهمه المُؤرخ الواسعي بـ «الاحتجاب، والميل إلى الشهوات واللذات، وسماع اللهو، والتغافل عن الملك».
 
وبين هذا وذاك، كان المهدي عبد الله مُتقلب المزاج، مُضطرب العاطفة، سريع التصرف، قوي الانفعال، اشتغل بتولية الوزراء، وعزلهم، ومُصادرة أموالهم، حتى اختل أمر الدولة، وأصبح همُّ المسؤولين تحقيق مصالحهم، وعزل من دونهم، ليصل السلب والنهب إلى القاعدة الشعبية، بطرق رسمية مُتعارفة. وهي حقائق أكدها أيضًا الجراح الإنجليزي روبرت فينلي الذي زار صنعاء بعد سبع سنوات من تولي ذات الإمام الحُكم.
 
كانت الثلاث السنوات الأولى من حكم المهدي عبدالله حافلة بالتمردات القبلية الصادمة، خرجت في البدء قبيلة حاشد عن طاعته، فأرسل بعد ثلاثة أشهر من توليه الإمامة بحملة عسكرية إليها، ثم عززها بحملة أخرى قادها بنفسه، سيطر على الجنات، وريدة، وحمدة، وهدم كثيرًا من الحصون، وأخذ رهائن الطاعة، وزج بعدد من المشايخ في السجون، ولم يفرج عنهم إلا بعد وساطات مُكثفة من قبل أعيان القبائل المُجاورة.
 
كان العلامة الشوكاني يرافق الأئمة أثناء زياراتهم الداخلية، ويتدخل في التفاوض بينهم وبين الأمراء الطامحين، وزعماء القبائل المُتمردين، وحين اختلف مطلع العام 1233هـ أمير كوكبان شرف الدين بن أحمد، مع المهدي عبد الله، خرج مع الأخير، وتدخل بعد 18 يومـًا من الحصار لإيقاف الحرب، وإعادة المياه إلى مجاريها، مُكررًا ذات التصرف الذي قام به قبل خمس سنوات.
 
كانت تهامة همَّ المهدي عبد الله الشاغل، قرر تجهيز حملة عسكرية لاستعادتها، واستدعى لأجل ذلك قبائل برط، وما أنْ وصل الأخيرون إليه، حتى غالوا في شروطهم، وطالبوه بالكثير من الأموال، وامتدت أيديهم لنهب مُمتلكات السكان، فما كان منه إلا أن حصرهم داخل الأسوار، ووجه بعدم مغادرتهم المدينة.
 
سارع أحد كبرائهم – ويدعى النقيب علي بن عبدالله الشايف – بكتابة رسالة قاسية إليه، أغضبته كثيرًا، فاستدعاه وباقي المشايخ للتشاور 17 ربيع أول 1233هـ / 24 يناير 1818م، ثم وجه بحبسهم في قصر غمدان، مُقيدين بالأغلال، وطلب في اليوم التالي من رعاياهم التوجه إلى تهامة، رفض الأخيرون أوامره، فأطلق عليهم عساكره، ونكلوا بهم شرَّ تنكيل، وعن ذلك قال صاحب (الحوليات): «وكان عليهم يومـًا عبوسًا، حلَّ بهم من البؤس، ولم يزل فيهم النهب والقتل إلى أن غابت الشمس، وأبواب المدينة مُغلقة»، نجح بعضهم في الهرب من فوق الأسوار، مُخلفين ورائهم أمتعتهم، ومنهوباتهم، وعددًا من القتلى، و300 أسير، فأمر إمام صنعاء بإلحاقهم بكبرائهم.
 
التجأ من نجا منهم إلى منطقة بوسان بأرحب، فيما جراحات بعضهم غائرة، وهناك تلقاهم القاضي عبد الله بن حسن العنسي أحد أشهر كبرائهم، وبخهم بشدة، وخاطبهم قائلًا: «فلا بكيل بعد اليوم، قد ذهبت أيديكم وأرجلكم ورؤوسكم.. اذهبوا إلى نسائكم سود الله وجوهكم».
 
عاد البرطيون إلى قبيلتهم، و«أضرموا النيران بالنكف في المشارق، وفي جميع الجبال والشواهق، فأجابهم كل باغٍ وناعق»، حد توصيف صاحب (الحوليات)، وتداعت – كما أفاد ذات المُؤرخ – قبائل وائلة، وحاشد، والعمالسة، والمزانات، وسفيان، ووادعة، وأرحب، والبدو أهل التراب الأحمر لنصرتهم.
 
كثف المهدي عبد الله من استعداداته لملاقاتهم، واستدعى لأجل ذلك قبائل نهم، وخولان، ولإغاظتهم أكثر أمر بضرب عنق النقيب علي الشايف، وصلبه لثلاثة أيام، ثم وجه بدفنه في مكانٍ مليء بالقاذورات، وقد استغل البرطيون ذلك التصرف الإمامي الشنيع في تحشيدهم المُضاد.
 
تولى النقيب حسين بن عبد الله الشايف – شقيق الشيخ القتيل – مهمة التسعير والمطالبة بالثأر، وقاد – بعد مضي شهرين من نكبتهم الأولى – زحوفاتهم الجرارة صوب أبواب المدينة المنكوبة، وتحفظ الذاكرة الشفهية حكاية شعبية مفادها أنَّ الشيخ علي قال قبل إعدامه: «يا ما ويا ما»، وأنَّه لما وصلت تلك المقولة (الوصية) إلى أخيه قال الأخير مُتحسرًا:
 
يا ما لعيني فارق النوم طــــرفها
 
 ويــا ما لقلبـي بات فيه الوقايدي
 
نـــعـد اللــيـالي والليـالي تـعدنــا 
 
والعمــار تبـلى والليالي جدايدي
 
ذات مساء، تسلل البرطيون إلى ضاحية صنعاء الغربية (بير العزب)، المنطقة التي أهملت السلطات الإمامية تحصينها، أسرفوا بالنهب والقتل، فيما تفرَّد صاحب (الحوليات) في نقل جرائمهم المريعة، ومن ضمن ما قاله مُبالغًا: «فما أرحم صياح الهاربين إلى باب صنعاء، وهم من النوم صرعى، فمنهم الهارب بما يستر عورته، ومنهم من هو بعورته، ومنهم من ترك أمه وأبيه، ومنهم من لم ينج إلا بنفسه، وكم من هيفاء وثب عليها البدوان، وكم من عذراء افتضها أهل الطغيان، وكم من غيدٍ حسان فقدت في ذلك الأوان».
 
أفاق سكان مدينة صنعاء صبيحة اليوم التالي على هول الفاجعة، وأضحوا في تلك الأجواء المشحونة بالقلق والتوتر ينتظرون دورهم، خاصة بعد أنْ تبادر إلى مسامعهم قيام قبائل نهم، وخولان – المُكلفة بالدفاع عنهم – بالمشاركة في تلك الجرائم الشنيعة، وصارت صنعاء وضواحيها تحت رحمة حاميها، وحراميها.
 
نجا العلامة الشوكاني من مذبحة بير العزب بأعجوبة، فأرسل كبراء برط إليه يهنئونه بالسلامة، طالبين منه التدخل والتوسط عند المهدي عبدالله، وحث الأخير على الأفراج عن محابيسهم، وإعادة أموالهم، ومنهوباتهم، مقابل إطلاقهم لأعيان الدولة المُحتجزين لديهم، وانسحابهم من أبواب المدينة المُحاصرة.
 
بعد 18 يومـًا من الحصار، أذعن إمام صنعاء لشروطهم، لتتحقق مغادرتهم المؤقتة يوم 3 رجب 1233هـ / 8 مايو 1818م، لم يطل غيابهم كثيرًا، فبعد عامين عاودوا غزواتهم المُعتادة، ولم يغادروا أبواب المدينة المنكوبة إلا بعد أنْ أعطاهم المهدي عبد الله الأموال الطائلة، قدرها أحد الرحالة الأجانب بـ 120,000 ريـال فرنصي، وليتهم قنعوا بذلك؛ بل أعادوا الكرة على ذات المدينة ثلاث مرات، وذلك خلال عام وبضعة أشهر، وعاودوا أيضًا غزواتهم الجنونية على المناطق الوسطى.
 
شهدت الدولة القاسمية بعد ذلك نوعًا من الاستقرار النسبي، اهتم إمامها المهدي عبد الله بالبناء، والتشييد، وتوجه مطلع 1237هـ بحملة كبرى إلى المناطق الوسطى، تعزيزًا لحضور الدولة هناك، ومُحاربةً لقبائل بكيل التي عاثت في تلك الجهة نهبًا وخرابًا.
 
حدثت في العام التالي في مضارب قبيلة بكيل مجاعة كُبرى، خرجوا بسببها البرطيون خرجة رجل واحد، كبارهم وصغارهم ونساؤهم مُتشكلات بأشكال الرجال، وصلوا إلى مشارف صنعاء، نهبوا، وقتلوا، وعن ذلك قال صاحب (الحوليات): «فلما علم الإمام خبث نياتهم، وطلبوا من الغلبات التي لا يسعها المعقول، وما هم فيها، وإنما يريدون اليمن – يقصد إب، وتعز – فأعرض عنهم، وكتب إلى جميع الجهات بالاحتراس منهم، فعزموا اليمن، وذلك بغيتهم يجعلوها وطنًا».
 
كانت تلك القبائل قد تآلفت أراضي إب الخصبة، في غزوات لها سابقة – سبق أن ذكرنا بعضها – إلا أنَّهم بعد هذا الاجتياح، استوطنوا، وتزوجوا، وتمشيخوا، ونسوا بلادهم، واستولوا على الحصون العالية، والأراضي الخصبة، وهو ما عُرف بالاستيطان البكيلي الثاني، وكانت تلك المناطق تحت أيديهم أشبه بدولة مُستقلة.
 
توقفت بسبب ذلك الغزوات البكيلية على صنعاء، ولمدة عشر سنوات، حتى أعلن أحمد بن علي السراجي نفسه إمامًا 26 جمادى الأولى 1247هـ / 1 نوفمبر 1831م، مُتلقبًا بـ (الهادي)، كان جاروديًا مُتعصبًا، تستر بحماية المذهب الزيدي، وناصرته قبائل خولان، وأرحب، ونهم، وحاشد، وبكيل، وزحف بهم لمحاصرة صنعاء، إلا أنَّهم تفرقوا بعد أنْ أغدق المهدي عبدالله على كبرائهم بالأعطيات، عاد مرة أخرى إلى قرية الغيضة في نهم، مُنطلق دعوته، ليحشد القبائل مرة أخرى، فدس له إمام صنعاء من قتله غيلة بضربة سيف 26 صفر 1248هـ / 24 يوليو 1832م، وقيل غير ذلك.
 
توجه المهدي عبد الله في ذات العام بحملة أخرى إلى إب، استقر فيها لشهرين، أذعن خلالها البكيليون مُؤقتًا لطاعته، إلا أنَّه لم يُنصف الرعية من ظلمهم، وعن ذلك قال صاحب (الحوليات): «فلما خرج من مدينة إب لحقه أهلها يعنفونه بالكلام، ويشتكون ويبكون، ويستغيثون من البغاة لما قد صدر منهم إليهم.. فلم يلتفت إليهم»، وظل المُتفيدون على طغيانهم حتى أتى الفقيه سعيد بن ياسين، وقاد ثورة عارمة هدَّت كيانهم، وأخرجتهم من حصون شوامخ، وجبال بواذخ.
 
تبقى المُحاولات الفَردية في تغيير مَسار التاريخ عن سياقه المَعهود، خَالدة بخلود أبطالها، وما العلامة الشوكاني إلا واحدٌ من هؤلاء المُحاولين، دخلت الدولة القاسمية بوفاته 27 جمادى الآخر 1250هـ / 30 أكتوبر 1834م، عن 76 عامًا، ووفاة المهدي عبدالله من بعده 6 شعبان 1251هـ / 26 نوفمبر 1835م، دخلت مرحلة الموت السريري، وعجزت عن حكم صنعاء نفسها.
 
عادت – أي الإمامة الزّيدِيّة – بعد ذلك إلى وضعها المُعتاد، المليء بالخلافات الأسرية، والصراعات المناطقية، يتلقفها تارة أدعياء العلم والشرع والدين، وتارة أمراء طامحون من الأسر العلوية المُتنافسة.
 
وحين تولى في العام التالي الإمامة الفقيه المُتعصب، والجارودي المُتطرف، الناصر عبدالله بن الحسن، حارب العلماء المُجددين، وزج بهم في السجون، وحبس ابن العلامة الشوكاني (أحمد) [و]، وحاول ومعه حشد كبير من غلاة الزّيدِيّة إخراج رفات الأب من القبر لحرقها؛ كونه بنظرهم المتهم الأول والرئيس بحرف الإمامة عن مسارها العنصري، وتُعد تلك الحقبة بشهادة كثير من المُؤرخين مرحلة ودولة العلامة محمد بن علي الشوكاني، التي لم تكن في الأصل إلا امتداد لمرحلة العلامة ابن الأمير الصنعاني [5].
 
هوامش:
 
[و] هو أحمد بن محمد بن علي الشوكاني، كان كأبيه عالمـًا مُصلحًا، زُرعت محبته في قلوب الناس، وقصده طلاب العلم من كل مكان، وله بعض المؤلفات، وجرت له محن عديدة بسبب انتصاره للسنة، ومُواجهته لغلاة التشيع، وأئمتهم الجاروديين، حبسه الناصر عَبْدالله بن الحسن، وحبسه المنصور أحمد بن هاشم الويسي، إلا أنَّه في عهد الأخير استطاع الهرب، وبقي مُتنقلًا بين كثير من المناطق، واستقر بالروضة، وفيه قال المُؤرخ المجهول صاحب (الحوليات): «وجميع أهل أرض اليمن، شرقًا، وغربًا، ويمنًا، وشامًا لا يثقون بغير الشوكاني، وأكثر أهل صنعاء عالمين بذلك، وإنما الشيعة يخرجون في حقه وفي أحكامه، وفيه من العفافة ما لا يوجد في غيره منها»، فارق الحياة في 13 جمادى الآخر 1281هـ / 12 نوفمبر 1864م، وقد انقطع بوفاته نسل العلامة محمد الشوكاني؛ كونه لم يُعقب، وكون شقيقه علي – الذي توفي قبله وقبل والدهما – لم يُعقب أيضًا.
 
مراجع:
[3] درر نحور الحور العين، جحاف، ص 343 – 345 – 353 – 356 – 375 – 380 – 450 – 492 / البدر الطالع، الشوكاني، ص 174 – 499 – 504 – 572 / أدب الطلب ومنتهى الأرب، محمد بن علي الشوكاني، تحقيق ودراسة: عبدالله السريحي، صنعاء، 1998، ص 31 – 114 – 115 – 122 – 133 – 135 / الدواء العاجل في دفع العدو الصائل، محمد بن علي الشوكاني، ضمن الرسائل السلفية في إحياء سنة خير البرية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1930، ص 28 – 29 – 30 – 33 – 37 / ديوان الشوكاني أسلاك الجوهر، تحقيق: حسين العمري، ط2، دار الفكر، دمشق، 1986م، ص 99 / الاحتلال البريطاني لعدن، د. سلطان بن محمد القاسمي، منشورات القاسمي، 1992م، ص 67 / الإمام الشوكاني حياته وفكره، عبد الغني قاسم الشراجي، 1985، ص 140 / الإمام الشوكاني رائد عصره، حسين العمري، دار الفكر المعاصر، بيروت،  ط1، 1990، ص 87 – 97 – 98 – 99 – 101 – 104 – 106 –  465 – 466 – 127 – 128 / مئة عام، العمري، ص 113 – 119 – 122 / هجر العلم، الأكوع، 2251 – 2253 / المتاهة، الطيب، ص 363 / قراءة في أيام الشوكاني، د. عبدالعزيز المقالح، مجلة (الإكليل)، العدد 2، السنة الأولى، 1980م، ص 83 / التنافس البريطاني – الفرنسي على سواحل البحر الأحمر الجنوبية، هند فخري سعيد، مجلة (أبحاث كلية التربية الأساسية)، المجلد 10، العدد 4، 2011م، ص 309 – 311 – 312 / فكر الشوكاني الاجتماعي، سعد إبراهيم العلوي، مجلة (الأندلس للعلوم الإنسانية والاجتماعية)، العدد 15، المجلد 16، يوليو – سبتمبر 2017م.
 
[4] درر نحور الحور العين، جحاف، ص 307 – 490 – 495 – 506 – 528 – 560 – 561 – 564 – 566 – 568 – 611 – 613 – 644 – 649 – 650 – 651 – 652 – 653 – 655 – 675 – 679 – 685 – 688 – 705 – 707 –  708 – 711 – 717 – 719 – 719 – 721 – 724 – 729 – 735 – 736 – 737 – 739 – 743 – 747 – 754 / حوليات النعمي التهامية، تحقيق ودراسة: حسين بن عبدالله العمري، ط1، دار الفكر، دمشق، 1987م، ص 39 – 52 – 58 / حوليات يمانية من سنة 1224هـ إلى سنة 1316هـ، مؤلف مجهول، تحقيق عبدالله الحبشي، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، ط1، 1991، ص 17 – 21 – 22 – 24 – 25 / البدر الطالع، الشوكاني، ص 107 – 314 / نيل الوطر زبارة، ج1، ص 259 – 329 – 344 – 380 – 408 / ج2، ص 10 / الدر المنظوم في تراجم الثلاثة النجوم، إسماعيل بن حسين جغمان، تحقيق: زيد الوزير، مركز التراث والبحوث اليمني، صنعاء 2002، ص 75 / ابن الأمير وعصره، قاسم غالب وآخرون، ص 13/ مئة عام، العمري، ص 127 – 128 – 130 – 138 – 147 – 152 – 153 – 154 – 155 – 159 – 163 – 165 – 167 – 169 – 173 – 176 – 177 – 232 / هجر العلم، الأكوع، ص 1427 – 1789 – 1790 – 1893 / عسير بين النزاع السعودي اليمني، عبدالرحمن محمد حمود الوجيه، ط1، القاهرة، 2000م، ص 51 – 52 – 53 – 54 – 55 / الوجود المصري في ولاية اليمن، هند فخري سعيد، مجلة (أبحاث كلية التربية الأساسية)، المجلد 9، العدد 4، 18مارس 2010م.
 
[5] حوليات يمانية، مجهول، ص 11 – 13 – 16 – 23 – 25 – 28 – 30 – 31 – 32 – 33 – 41 – 44 – 45 – 55 – 57 / أسلاك الجوهر، الشوكاني، ص 39 – 40 / نيل الوطر، زبارة، ج1، ص 150 / ج2، ص 64 – 278 / حوليات النعمي، ص 10 – 66 – 70 / أسمئة عام، العمري، ص 186 – 187 – 190 – 192 – 194 – 197 – 202 – 203 – 204 – 210 – 220 – 229 – 231 – 234 / الإمام الشوكاني حياته وفكره، قاسم، ص 68 / الاحتلال البريطاني لعدن، القاسمي، ص 86 – 101 / هجر العلم، الأكوع، ص 1185 / المتاهة، الطيب، ص 406 / سياسة محمد علي باشا التوسعية، سليمان الغنام، المركز الثقافي العربي، ط1، 2004، ص 123 – 150.
 
 
* حكمة يمانية
 

ذات صلة