ملف الفساد.. التطهير بلا تاخير، شرط الانتصار، وارادة شعبية

09:47 2022/12/06

دلالات فضيحة المنح الدراسية تتعدى كونها قضية فساد أظهرت رأس جبل الجليد من ممارسات لوبي منظم ضرب في ثماني سنوات مفاصل الدولة، وخلخل أسس الشرعية، إلى دلالات أبعد تتعلق بمفهوم الوطنية، والانتهازية في استغلال الظرف التاريخي المهيمن على الوطن والشعب.
 
في جانب غير قليل من تلك المعضلة يتجلى بكل لؤم غياب الحس الوطني، وتغليب المصالح الذاتية والشخصية، لتصبح المعادلة، الولاء الوطني في مقابل المكاسب، ولسان حال بعضهم: اعطوني لأكون وطنيا وإلا فخياراتي مفتوحة على ارتباطات أخرى ستحقق تلك المصالح وتتماشى من أهدافي وليذهب الوطن ومصلحته إلى الجحيم.
 
في ثماني سنوات من عمر الوطن، وفي لحظة تاريخية تراهن فيها الأوطان على أبنائها، كان عنوان المرحلة توزيع المناصب على قاعدة المؤلفة قلوبهم، وخضوع الدولة لابتزاز نخب كارثية لم تكتف أنها كانت رأس حربة السقوط، والعامل الأبرز لتسليم الدولة لعصابة تسللت من شقوق المناكفات، وفراغات الوطنية، وتصفية الحسابات، بل رأت في ضعف وطن ومعاناة شعب فرصة أخرى للنهب والسيطرة على مقدراته المنعدمة تقريبا، في سلوك لا ينتمي لوطنية، ولا يدل على خُلق أو مروءة.
 
الكارثة أن هذا السلوك، الذي يشكل أسوأ أنواع الخيانة، أصبح في عرف هؤلاء المتاجرين بآلام الوطن، حقا مشروعا ومكتسبا، بل ونوعا من الشطارة والرجولة، يدلل على ذلك التفاخر الآثم، والدفاع الفاجر من مسؤولين أزكمت الأنوف فضائحهم، وأنتنت المجالس بالحديث عن فسادهم ولصوصيتهم.
 
في زمن الحروب وظروف الضعف التي تمر بها الأوطان، تظهر معادن الرجال، وتتجلى قيم الوطنية ونكران الذات، وتعلو فيها المصلحة العليا على كل المصالح الصغيرة، ويسجل التاريخ ملاحم التضحية وضروب الوفاء، والتنافس الحميم لرد جميل الأرض كحق أسمى وأعلى، وفي بلادنا أثخنت النخب في جراح الوطن، واستغلت ظروف المواجهة، لتحقق لنفسها وعائلاتها المكاسب والاثراء الحرام، وأوجدت المبررات لتشارك بأخلاق الشياطين في تعميق آلام وطن خاب ظنه في بعض أبنائه، وشعب تكالبت عليه جرائم العنصرية وانتهازية فاقدي الضمير.
 
التاريخ لا يرحم، وشعبنا اليمني حي لا يغفل ولا ينسى، وجرائم الفساد لا تلبث أن تظهر عاجلا أو آجلا، ولحظة القصاص والعدالة آتية لا محالة، ومن ظن أنه أفلت بقوت الشعب وحقوقه، يغيب عنه أنه مهما طالت الأيام فستعود الدولة وستكشف الأوراق وتسترد الحقوق.
 
وإلى مجلسنا الرئاسي الموقر، معركتكم مع الفساد هي المعركة الأقدس، وثقة الناس بكم مرهونة بالتصحيح اليوم وليس غدا، وصدق توجهاتكم يحدده موقفكم من هذا الملف، وتخلصكم من رموز الانتهازية ولصوص الأوطان، وتجار المبادئ، ومعركتكم لاستعادة الدولة شرط تحققها التطهير بلا تأخير، ومن العبث أن يستعين الوطن في نصرته، على انتهازي، أو بائع ضمير، أو منعدم وطنية، فاللصوص والخونة ومستغلو الظروف لا تنتصر بهم معركة ولا يحقق بهم هدف نبيل.
 
وفي الأخير: ما يفرض التعميم في ملف الفساد هو حجمه الهائل الذي لا يزال جله لم يجد الوسيلة لنشره، والتخادم الواضح لهذا اللوبي المسيطر على كيان الدولة ومؤسساتها، وليست الخارجية والتعليم والمؤسسة العسكرية والإعلام، الا نموذجا صغيرا منها، وبالتأكيد فنحن لا ننفي بحال وجود شخصيات وأقيال يمانيين، تحمل هم الوطن، وتعتنق الوطنية فكرا وسلوكا، القليل منهم في هيكل الدولة، وغالبيتهم خارجه، لم يرهنوا مواقفهم لوظيفة اومنحة او محنة، ولم تبدل مبادئهم اقصاء او تهميشا، فهم ذخر الوطن وأمله الذي يبقيه على قيد الحياة، وذخيرته التي ستصنع مستقبله، وذراع مجلس القيادة الرئاسي إذا صدق في إحداث التغيير وإنجاز الانتصار المنشود.