«تويتر».. العاصمة الجديدة في العالم !

12:33 2022/11/07

عندما تكون القصة الدولية اليوم حول استحواذ ملياردير أميركي على أكبر منصة عالمية للصحافة الشعبية، فإن الأسئلة لا بد وأن تذهب مباشرة إلى البحث عن الأهداف الحقيقية التي يرغب إيلون ماسك مالك منصة "تويتر" الجديد أن يحققها، لقد كانت أولى تغريدات المالك الجديد مثيرة للأسئلة حيث قال إن سعيه للاستحواذ على تويتر "لا يتعلق بالمال بل لخدمة الإنسانية"، الأسئلة كثيرة تبدأ بماذا وكيف؟ ليس من حيث الصفقة التجارية، فالقضية في المنصات الرقمية التي تنتشر في العالم أمرها مختلف، فليست التجارة والربح أهم أهدافها، وأعتقد أن مالك تويتر الجديد يدرك حقيقة هذا الأمر، وخاصة عندما يشير أن هدفه خلف شراء المنصة له علاقة بخدمة الإنسانية.
 
لن يصدق أحد في هذا العالم أن تتحول تويتر إلى أكبر جمعية خيرية لخدمة البشرية في احتياجاتها، ولكننا جميعا ندرك أن تويتر تحول إلى مركز يشبه نقطة الجاذبية التي تدور حولها الكواكب في كل مجرات هذا الكون الواسع، منصة "تويتر" هي من منجزات القرن الحادي والعشرين وساهمت في إعادة تشكيل الثقافة العالمية سياسيا واقتصاديا وثقافيا، لقد أصبحت تويتر ومنصات العالم الرقمية المشابهة حقيقة يجب تقبلها والتعامل معها بكل انفتاح، والسبب خلف ذلك يعود إلى كون المنصات الرقمية أصبحت كالهواء في الكون متوفرة بلا قيود ويصعب التحكم في كميتها أو اتجاهها.
 
التحدي الأكبر الذي يواجه المنصات الرقمية هي أن عملية التنافس فيها شديدة، فعلي سبيل المثال أعلن مؤسس تويتر الفعلي (جاك دوروسي) نيته إطلاق تطبيق جديد للتواصل الاجتماعي اسمه (بلوسكاي) ولأنه ليس هناك قواعد واضحة للاستهلاك في المنصات الرقمية تشبه المنتجات التقليدية، فإنه لا بد من الفهم أن دورة الحياة في المنصات الرقمية يمكنها أن تكون سنوات قليلة جدا مهما كانت شهرتها التي تحققها عالميا وهناك أمثلة كثيرة، ومتوقع أن يشهد العالم قريبا تنافسا شديدا في إطلاق المنصات الرقمية، ولن يكون هذا الإطلاق محصورا في الدول الغربية، فمن المحتمل وبشكل كبير أن تنطلق منصات رقمية جديدة من دول غير غربية.
 
"تويتر" اليوم هي المنصة الرائدة التي تدور حولها الأخبار، وطبيعة المنصات الرقمية مرتبطة باعتمادها المباشر على عدد المشتركين حول العالم، اليوم تطبيق تويتر هو الأكثر شهرة بين البشر على هذا الكوكب بأرقام تتجاوز مليارا وثلاث مئة مليون مشترك، جعلت من تطبيق تويتر الأكثر شهرة في العالم، فهو منصة الصحافة الشعبية الأولى في العالم، حيث يستطيع الجميع المشاركة والتغريد ومشاركة الجميع على هذا الكوكب بالأخبار والأفكار، ولكن دائما علينا أن نتذكر أن دورة الحياة في المنصات الرقمية لا تشبه أبدا الصناعات التقليدية والماركات العالمية فما هو موجود اليوم رقمياً قد يختفي غدا وبسهولة بمجرد خطأ تقني أو ظهور منافس أكثر جاذبية.
 
أمام كل هذه المخاطر التي تتعرض لها التطبيقات الرقمية من حيث القدرة على الصمود إلا أن تأثيرها الفكري والثقافي والسياسي والاقتصادي أكبر مما نتوقع، فهذه المنصات أصبحت لديها القدرة على بناء نموذج ثقافي مستقل عما يجري في المساحات الجغرافية للدول، وكما سمعت من باحث وسياسي برتغالي مهتم بالفضاء التقني وتطوراته بأن العالم لم يعد ينظر إلى واشنطن أو بكين كعاصمة للعالم فقد أصبح تويتر هو عاصمة العالم بما يحمله من أحداث وما يمتلكه من قدرة على إعادة صياغة التحولات السياسية وصناعة التوجهات الدولية.
 
"تويتر" منصة رقمية أصبحت قادرة على قيادة التحولات وهي غالباً خارج نطاق السيطرة الإقليمية بشكل كبير، والكثير من الدول ما زالت تواجه أزمة في التعريف أو التعامل مع تلك المنصة، فالعالم الرقمي أصبح حقيقة تشبه تلك الأسطورة الصينية التي تقول إن هناك تنينا متوحشا إذا قطع رأسه يعود بسرعة بعشرات الرؤس فوق كتفه، التعامل مع تويتر مهم جدا في المستقبل وخاصة أنه تحول إلى عاصمة افتراضية للعالم يمكن من خلالها التأثير في مسارات ثقافية وسياسية واقتصادية، ما في هذا الكون من قواعد كنا نعتقد استحالة تغييرها أو المساس بها أصبحت عكس ذلك مع هذا التحول الكبير الذي اخترق البشرية.
 
"تويتر" إذا ما استمرت كما هي فستساهم بلا شك في بناء قواعد النظام العالمي الجديد وسوف تساهم أيضا في تغيير قواعد وقيم المجتمعات، ولن يكون من السهل مواجهة هذا الكم الهائل من التحولات البشرية، لن يكون الحل الأمثل أمام هذه المنصات سوى الاستحواذ عليها وجعلها مصادر لخلق التوازن السياسي والثقافي والاجتماعي في هذا العالم، لأن الأفكار خلاف ذلك ستجعل العالم يعيش تحديات مجتمعية وقيمية وثقافية كبرى.
 
*  "الرياض"