تحقيق- فقط في تعز: أدوية ووصفات طبية في البقالات! تطبيب ذاتي مميت
- الساحل الغربي، عبدالصمد القاضي:
- 06:43 2022/10/08
البقالات تقوم بتخزين الأدوية بشكل عشوائي، وتتدخل بصرف أدوية حتى للأطفالـ والمنشطات الجنسية!
في الآونة الأخيرة توسعت دائرة بيع الأدوية في البقالات بشكل ملفت، وتتضمن تلك الأدوية، أقراص المضادات الحيوية والبرستامول (المسكنات) وحبوب المعدة كالزنتاك واللوماك وفوار المسالك البولية والسلبادين، وبعض المراهم الخاصة بالإصابات الرياضية كالأورام وغيرها، مع تردد الكثير من المواطنين على شرائها بشكل عشوائي، والتي تتسبب بكثير من المضاعفات المرضية، حسب قول الأطباء.
ويعد بيع الأدوية بغير أماكنها المخصصة مخالفة للقانون يحاسب عليها مرتكبها.
شراء بالجملة
يتم شراء الأدوية بالجملة من تجار الأدوية، وآخرون يشترون من الباعة المتجولين خصوصاً صنف نيوفيناك، وسولبافين، وفيتامين C وديكلوفين، والبرستامول البندول وغيرها من المهدئات بما فيها أصناف صدر تعميم بعدم بيعها وتناولها؛ نتيجة ارتفاع نسبة الكافيين فيها، لكنها تختفي من الصيدليات وتظهر في البقالات.
محمد خالد، صاحب بقالة، يقول للساحل الغربي، نقوم بشراء الأدوية بما فيها المنشطات الجنسية من الباعة المتجولين وأحياناً من شارع الأدوية بالأجينات في مدينة تعز، لغرض توفير متطلبات الزبائن نتيجة الإقبال الكبير على شرائها خصوصاً في موسم الأمطار وانتشار الحميات في المدينة.
إقرأ أيضاً:
- تحقيق مصور - قطاع الصحة بريف تعز.. مستشفى يتوسط أربع مديريات!
- كيف تلخص حالة الطفلة غدير أحوال الصحة بريف تعز؟
ضحايا العشوائية
لا توجد إحصائيات بضحايا الأدوية العشوائية، لكن عدد الضحايا كبير جداً
المواطنة حنان محمد حسن، تقول: كان والدها المرحوم محمد حسن، المصاب بالضغط والقلب يعاني من خمول شبه دائم، أوصاه أحد أصدقائه أنه في إحدى بقالات حي الضبوعة حبوب تبعد كل الخمول وتعيد نشاطه. تناول الحاج محمد حسن، صباح اليوم الثاني، من تلك الحبوب لم يتم التعرف عليها، لكنه فارق الحياة بعد ساعة من شربها.
أم شهد، هي الأخرى أعطت طفلها الذي لم يتجاوز العامين فوار سولبافين لثلاثة أيام متتالية اشترته من إحدى البقالات القريبة بحي البعرارة لغرض تخفيف حرارته المرتفعة نتيجة الالتهابات، لكنه أصيب بالإغماء باشرت إسعافه إلى غرفة العناية المركزة بالمستشفى السويدي للأمومة والطفولة، لكن بعد فوات الأوان، قال لها الأطباء إن المهدئات أماتت أجزاء كبيرة من خلايا الدماغ وفارق الحياة بعد أيام قليلة.
الطفلة سماء عبدالله غالب (7 أعوام) قبل أسبوعين تناولت المهدئات والخلطات الطبية من ديكلوفين وسلبادين وفيتامين سي، لغرض تخفيف أعراض الزكام، لكنها كانت بمثابة السموم لا الدواء زارت الطبيب بعد ذلك في أحد مستشفيات المدينة لتتفاجأ أن هناك ضمورا جزئيا في الدماغ بسبب تلك الأدوية العشوائية
وصفات طبية من البقالات
يقول شهاب محمد الكمالي، الذي يعمل صيدلياً، إن البقالات أصبحت تعمل عمل الطبيب والصيدلي بصرف الأدوية بما فيها خلطات الزكام المكونة من ديكلوفين وسلبادين وفيتامين سي، كل ذلك يلحق أضراراً كبيرة خصوصاً إذا كان المريض يعاني من حمى الضنك وتلك الأدوية تساعد على هبوط الصفائح الدموية وقد يؤدي إلى الإغماء والوفاة.
يضيف الكمالي، إن البقالات تقوم بتخزين الأدوية بشكل عشوائي، كما تتدخل بصرف أدوية حتى للأطفال بما في ذلك المنشطات الجنسية المختلفة.
شهاب أمين الخليدي، يقول إن غياب دور مكتب الصحة بالرقابة والتفيش ساهم في أن تشتغل البقالات كمراكز طبية وصحية، ويتحمل مسؤولية هذا العبث بدرجة أساسية مكتب الصحة بالمحافظة.
توجيهات على ورق
أصدرت الهيئات العليا للأدوية في المحافظات تعميماً يمنع بيع الأدوية للبقالات والمحال التجارية بمختلف أصنافها، لكنه ظل حبراً على ورق.
الدكتور محمد الصوفي مدير فرع الهيئة العليا للأدوية بمحافظة تعز يقول: "أصدرنا تعميماً بحظر بيع الأدوية لكل تجار وشركات بيع الأدوية بالجملة، وتخصص بالرقابة على ذلك مكتب الصحة بالمحافظة.
يضيف: ظاهرة بيع الأدوية في البقالات فهي تشكل خطرا كبيرا، من طريقة النقل والتخزين والصرف، فالداوء له قدسيته وقوانينه المنظمة ولا يمكن تصنيعه ونقله وبيعه إلا بترخيص، كما أن القائمين على صرف أي صنف يكون من الصيدليات المرخصة والعاملون في الصيدليات أطباء يحملون ترخيص مزاولة المهنة غير مفعلة.
ويؤكد الصوفي، أن تناول الأدوية خصوصاً المهدئات بشكل دائم يؤثر على صحة المواطن. كما أنه في صرف الأدوية يتم مراعاة الكثير من العوامل كالسن والحمل، وما إذا كان المستخدم يتناول أدوية أخرى لتجنب التداخلات الدوائية
أو ما إذا كان يعاني من قصور في أي عضو كالكبد أو الكلى أو المعدة أو أي جهاز آخر، مناشداً أن يتم نشر الوعي الصحي للمجتمع.
عجز الرقابة الدوائية بمكتب الصحة
يعد بيع الأدوية في البقالات مخالفاً للقانون يحاسب عليه مرتكبوها، لكن نتيجة الحرب انتشرت تلك الظاهرة أكثر فأكثر بشكل ملف للغاية.
تيسير السامعي مدير إدارة الإعلام والتثقيف الصحي بمكتب الصحة بتعز يقول: "الصيدليات والعاملون فيها إذا كانت غير مرخصة أو الكادر غير مؤهل يقوم المكتب بإغلاقها حسب الإمكانيات المتاحة. ولمنع ظاهرة بيع الأدوية في البقالات وتطبيق القانون نحتاج لدولة وسلطة وأمن وقضاء. لذا يجب تضافر جهود الأمن وقوة الدولة وتعاون مكتب الصحة والأمن والسلطة المحلية والمواطن للحد من تلك الظاهرة الخطيرة.
ويضيف السامعي "يبرز دور دائرة التوعية والتثقيف الصحي لتوعية المواطن بالمخاطر والآثار الناتجة عن تناول الدواء بشكل عشوائي ومن غير أماكنه المخصصة للبيع، ناصحاً المواطنين عدم شراء الأدوية إلا من الصيدلية المرخص لها.
وحذر من شراء الأدوية بشكل عشوائي لما لها من مخاطر كثيرة فاستخدام الأدوية بشكل خاطئ يسبب الكثير من الأضرار.. وعلى المريض أن لا يأخذ علاجاً إلا من المختصين.
تحذيرات الأطباء
يقول الدكتور عبدالعظيم الصلوي الباحث في الوبائيات السريرية: "إنه وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن هذه الأدويه تكون بالأساس مخصصة للمرضى لعلاج بعض الأمراض بأدوية مصرح بها، وتصرف حسب القوانين الصحية، بينما الناس توصل إليها بدون وصفة طبية، ما يجعلها غير فعالة وآمنة في حالة الاستخدام العشوائي".
ويضيف الصلوي "يمكن أن يؤدي الاستخدام غير السليم للعلاج بالمضادات الحيوية والأدوية المهدئة وغيرها بشكل عام إلى تعقيدات صحية ومضاعفات لا تحمد عقباها أو خسارات في الأرواح والنفقات التي يمكن تجنبها وأيضا إلى ظهور سلالات مقاومة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، واضطربات معوية وعصبية وتحورات جينية وخاصة استخدام الأمهات الحوامل لهذه الأدوية مثل (اضطرابات الأمعاء عند الأطفال ومرض التوحد ومرض السكر الولادي وأمراض المناعة الذاتية) ومخاطر أخرى".
وشدد على أهمية رفع مستوى الوعي وإبلاغ أولياء الأمور حول التطبيب الذاتي وما يتعلق بها من مخاطر على أنفسهم وعلى أطفالهم، وهذا يتطلب تعاونا من قبل وزارة الصحة والأطباء والمهنيين في الصحة ووسائل الإعلام من أجل تجنب المضاعفات، التي أصبحت مشكلة صحية عامة حقيقية ذات تأثير اقتصادي.