تحقيق مصور - قطاع الصحة بريف تعز.. مستشفى يتوسط أربع مديريات!

  • تعز، الساحل الغربي، خاص:
  • 05:35 2022/10/05

- اهمال وغياب المنظمات يهددا أهم مستشفيات ريف تعز
- مرضى رقود ومستشفيات بلا امكانيات
- مستشفى يتيم يتوسط أربع مديريات بريف تعز
 
اعتادت والدة غدير، التردد على مستشفى المسراخ أسبوعيًا، بهدف تلقي طفلتها الصغيرة للتغذية العلاجية.. مشيًا على الأقدام تقطع هذه الأم مسافة الطريق، من مديرية الأقروض، وصولًا إلى المركز الطبي الذي يحمل اسم المديرية "المسراخ"..
 
عند مدخل المستشفى وجدنا هذه الأم تجلس بالقرب من البوابة، لربما تأخذ قسطًا من الراحة..
كانت هدفنا الأول لقص المعاناة هنا حالما اقتربنا منها.. وبلكنة أبناء تعز سألنا: "ليش جالسة هنا يا والدة..؟".
أجابت: "أحاول استعادة أنفاسي، بعد الطريق المتعبة، وحرارة الشمس.. قليل وقت وبدخل أعالج البنت".
تابعنا: أين والدها؟
واكتفت بالرد: "مغترب، ما يهم حاجة.. فوق هذا، ما يشتي أعالج بنتي"..
باكية العينين، توجهت إلى قسم التغذية العلاجية.
 
 
 
كانت الصغيرة تبكي عندما تركتها والدتها على سرير المستشفى، وبدأ الطبيب المعالج بتقديم المساعدة،
بينما كانت الأم تقول إن المسافات الطويلة التي تسافرها لا تساوي شيئًا أمام معاناة غدير، التي جاءت إلى الحياة مصابة بسوء التغذية.
 
 
وبصوت حزين، تشرح معاناتها: "نأتي إلى هذا المستشفى أكثر المرات..
أحيانًا يكون في حالات كثيرة سوء التغذية.. ما يكون أمامي أي حل، سوى اللجوء إلى صديقاتي، من أجل اقتراض مبلغ والسفر إلى المدينة..
قد بعت ذهبي، وخسرت كل الفلوس".
 
 
هكذا تختصر معاناة أهالي ريف تعز، ذلك الريف الذي يفتقر لتواجد المستشفيات أولًا، وإن وجدت فهي تعيش حالة من الإهمال..
فالكثير من الأسر لم تجد حاضنة علاجية لأطفالها،
الأمر الذي يجعلهم أمام معاناة مركبة، العلاج وتكاليف السفر.
 
 
عدسة الساحل الغربي تمكنت من التقاط العديد من الصور لـ"غدير" قبل مغادرتها المكان.. لكن بعد يومين من لقائنا أخبرنا الطبيب المناوب بأن الطفلة قد غادرت مركز التغذية نتيجة خلافات أسرية بين الأب الذي يرفض العلاج، والأم التي تواصل الاهتمام بصغيرتها.. يقول غمدان الكحلاني: "هددها بالطلاق ما لم تترك المركز.. لذا غادرت المكان، وغادرت الطفلة الحياة".. مؤلم أن تتوفى طفلة بحضن والدتها، ترحل، وتبقى الأم حبيسة المنزل، أسيرة الفقدان.
 
 
يستقبل هذا المستشفى عددًا من حالات سوء التغذية، تصل إلى عشرين حالة شهريًا.. تقتصر مهمة الأطباء على الرعاية الطبية والعلاجية، لكن هؤلاء المرضى عادة يحتاجون إلى فترة رقود حتى يتماثلوا للشفاء ويخرجوا إلى الحالة الطبيعية، وهذا أمر يكلف الكثير، ويحتاج إمكانات تفوق قدرة المركز، خصوصاً مع تزايد الحالات، وتوقف الدعم من منظمة الصحة العالمية.
 
 
على مدى سنوات الحرب الماضية، افترست الأمراض والأوبئة أجساد أطفال البلدات الريفية في عدد من أرياف تعز، إذ بلغت حالات سوء التغذية لديهم مستويات حرجة بسبب افتقارها إلى مرافق صحية مؤهلة. كما تعرضت الأمهات الحوامل في هذه المناطق لمضاعفات غالباً ما تؤدي إلى الوفاة.
 
احتياجات
 
قسم الطوارى، التغذية، الحاضنات، الخدج، الولادة، والعديد من الأقسام الأخرى داخل مستشفى المسراخ، تنتظر وصول المرضى في النهار، وحتى المساء.. جميعها تحت طابق واحد، وأنت تمر في الممرات ستجد زحمة مرضى في غرف الرقود، وآخرين في الاستقبال بانتظار الدور.. صراخ الأطفال، وبؤس المرضى، وتعب المرافقين.. هذا ما بدا لنا أثناء جولتنا الميدانية.
 
 
 
ولأن المستشفى يقع على الخط الذي يربط تعز المدينة بالحوبان، ويقدم الخدمات لأربع مديريات هي: المسراخ، المعافر، صبر الموادم، وجبل حبشي.. فإنه يستقبل يوميًا 120 إلى 200 حالة، وهذا يشكل ضغطًا كبيرًا على المركز والكادر الطبي.. يقول عبدالحميد العامري، مدير المستشفى لـ"الساحل الغربي": "حالات كثيرة تتوافد على المستشفى، نحن لا نستطيع رفض دخول أي مواطن.. هذا يجعلنا بحاجة ماسة إلى بناء دورين إضافيين فوق المبنى.. لأن جميع الأقسام، عبارة عن طابق واحد.. لذا يجب إنشاء قسم طوارئ قادر على استقبال مئات الحالات يوميًا، خصوصًا بعد أن جرى ترفيع المركز إلى مستشفى محوري بقرار وزارة الصحة..".
 
 
يضيف العامري: "المستشفى بحاجة إلى تجهيز قسم إنعاش، وتزويده بالأجهزة والكادر الطبي، أيضاً نحتاج إلى دعم قسم العمليات بالكادر المتخصص، وتوفير أجهزة أشعة حديثة تلبي احتياجات المستشفى.. كذلك دعم قسم الأسنان والمختبر بالأجهزة ودعم الكادر".
 
عادة نقص التمويل يؤدي إلى نقص الاحتياجات، وتوقف المنظمات الصحية والجهات الرسمية عن توفير المعدات الطبية، وتقديم المساعدات الصحية، والأدوية الضرورية سيحتم توقف كثير من مراكز ومستشفيات الريف، وانقطاع الخدمات الصحية الأساسية لإنقاذ حياة الأطفال والأمهات وحديثي الولادة، وتعريض حياتهم للخطر.
 
 
مشكلة الوقود
 
نفاد الوقود.. ليست هذه المشكلة وليدة اليوم في تعز، إنما بدأت مع بدء الحرب، وتدمير منظومة الكهرباء الحكومية، ما دفع المرافق الصحية إلى استعمال مولدات كهربائية خاصة.. يعتمد مستشفى المسراخ على مادة الديزل، التي تعهّدت بتوفيرها بعض المنظمات.. تدريجيًا انخفض هذا الاعتماد للمشتقات النفطية إلى النصف خلال العام الماضي، أما اليوم فقد توقف تمامًا، بحسب مدير المستشفى، العامري.
 
 
بين الحين والآخر تطلق إدارة المركز مناشدات استغاثة مطالبة بتدخل المنظمات والجهات الرسمية بإنقاذ المرضى الرقود، والمترددين يوميًا، وذلك بتوفير مادة الديزل والحيلولة دون حرمان مئات المرضى من الرعاية الصحية.. إذ لم تتوقف تداعيات نفاد الوقود عند توقف الخدمات الصحية، بل تمتد إلى تعريض المئات للموت، خصوصاً الأطفال في الحاضنات والمصابين بسوء التغذية، والمرضى في أقسام الرقود والطوارئ.. هذا حال مستشفيات ريف تعز، إهمال حكومي وغياب للمنظمات.
 
 

ذات صلة