فظاعات الحصار الحوثي- اختطفته نقطة "أبو عاصم" في الأقروض وأُخفيَ وعُذِبَ في زنازين الحوبان

  • تعز، الساحل الغربي، عبدالصمد القاضي وعبدالمالك محمد:
  • 03:44 2022/05/29

ظل السبئي مخفيا وبلا آخبار ستة شهور، قبل أن يظهر في سجن الصالح وعلامات التعذيب ظاهرة على جسده
 
على امتداد الطريق الرابط بين مدينة تعز وضواحيها تنتشر نقاط تفتيش تابعة للحوثيين؛ لتشكل حصاراً إضافياً يخنق المدنية. القادمون من داخل المدينة دائماً محط اشتباه، يتعرضون للتفتيش والإهانة، وفي أحايين كثيرة يطلب منهم، دون سبب واضح، الترجل من السيارة ثم لا يسمح لهم بالمرور، فيقادون عوضاً عن ذلك إلى المعتقلات كحال عبدالملك السبئي.
 
 
في أغسطس 2017 كان عبدالملك في طريقه إلى ريف شرعب الرونة لزيارة عائلته بعد فراق بعمر حصار تعز. قبل أن تستوقفه نقطة ”ابو عاصم“ الحوثية بمنطقة الأقروض ويُطلب من سائق الصالون المغادرة.
 
قال قائد النقطة لعبدالملك إنه من غير الممكن إطلاق سراحه خلال ساعات، دون إيضاح سبب احتجازه حتى، فقط أخبروه أن ثمة بلاغاً باسمه وسيتم التحقيق معه في أقرب قسم بمنطقة الدِّمنة.
 
يقول السبئي (48 عاماً) لـ”الساحل الغربي“: "دون تهمة سوى بلاغ مجهول أوقفتني النقطة، سألني المحقق في القسم أول ما سأل مع من تشتغل؟ فأجبته بحدّة اشتغل مع نفسي".
 
كان ذلك السؤال الغامض بداية لعامين ونيف قاسيين سيعيشهما السبئي. وعندما انتهى به الحال إلى معتقل الصالح كان قد قاسى عذابات سجنين آخرين، سجن بيت الثقافة وسجن أمن الطرق، وهي رحلة كبُر خلالها ملف الاتهامات الملفقة ضده، أسوأها نهب أموال من بنك الكريمي بالمدينة وهي تهمة نفاها البنك نفسه.
 
"لم آبه كثيراً بالسجن وعذاباته، كنت قلقا بشأن أسرتي وأطفالي وأمي الذين ينتظرون وصولي، وكذلك مصيرهم فيما لو طالت مدة بقائي في المعتقل".
 
 
لم يصل عبدالملك قريته، خبرُ اعتقاله سبقه إليها وإلى أمه وأولاده المنتظرين عودته؛ ليجن جنون جميعهم ووالدته بدرجة أكبر، التي راحت تبحث عنه في المعتقلات دون جدوى، ولم يقدم لها متحوثو القرية غير الوعود.
 
ظل السبئي مخفيا وبلا آخبار ستة شهور. قبل أن يظهر في سجن الصالح وعلامات التعذيب ظاهرة على جسده.
 
قدِمت أمه إليه دون انتظار، وبقدر محاولاتها في طمأنته وأنها ستفعل المحال لإخراجه من خلف القضبان حملت له أخبارا طالما كان يخشى سماعها ”انقطع الأولاد عن المدرسة وانخرطوا في سوق العمل ليوفروا متطلبات الحياة“.
 
 
في الزيارة الثانية لم تكن الأم على طبيعتها. يتذكر السبئي نظراتها الفارغة ووجهها الذي تغضن من الحزن ويبكي، يقول مغالبا دموعه ”كانت تنظر نحوي بشكل مختلف، كانت تدقق في تفاصيل وجهي وكأنها تراني لأول مرة أو كما لو هي المرة الأخيرة“.
 
غادرتْ بعدما احتضنته بضعف وذراعين مرتعشين. وبينما كان ينتظر أن تعود إليه ثالثة أخبروه في أول فرصة تواصل بأنها توفيت بعد زيارتها الأخيرة له على بوابة السجن.
 
أفرج عن عبدالملك في صفقة تبادل نهاية العام 2019، كان من المؤسف أن أمه التي موتت نفسها لتراه طليقاً حُرمت من عيش اللحظة تلك. بل حتى هو نفسه بقي مكبلاً بالديون وفقد أمه حتى وقد أصبح خارج جدران الحوثيين.
 
 
بحرقة يضيف: ”من يستطيع أن يستدين لعامين ونصف؟ بغيابي خسرت العائلة مصدر دخلها وعجز الأصدقاء عن تسليفهم، ليترك ابني الأكبر المدرسة وهو في الثانوية ليعمل في محل طباعة مفاتيح وسط المدينة يساعده أخوه الأصغر منه“.
 
لا يزال السبئي يعاني تبعات نفسية سيئة نتيجة الاعتقال، يرفض تذكّر لحظات التعذيب التي لا تزال آثارها على جسده. مع ذلك يبذل قصارى جهده محاولاً محو الآثار السيئة التي انعكست على حياة أطفاله ومستقبلهم.
 
يقول ”ما ذنب أطفالي، لقد أصيبوا بعقدة من المدرسة نتيجة ما حصل لي، ما جعلني أخصص لهم وقتا لأقوم بتعليمهم بنفسي، ويواصلون العمل في محل طباعة المفاتيح الذي أسسه فاعلو خير ليقتاتوا منه“.

ذات صلة