سيرة كانت ذاتية

12:39 2022/01/03

سيرة كانت ذاتية:
على بُعدِ حجرٍ من طفولتي المعصوبة العينين، قريباً من المكان الذي قلت فيه لابنة الجيـران: صباح الخيـر.
 فأطفأ الأستاذ سبورته في وجهي.
قريباً من حشائش اللغة المسفوحة في الغياب،
جلستُ وجلس ظلي إلى جواري، جلستُ ومشى قليلاً، مشى قليلاً وما كان علي أن أتبعه، تبعته وكان علي أن أكتب لكم من هناك، أكتب لكم بنكهة الجدري، بطعم القصب، بكينونة الذرة الرفيعة، أكتب على وجوهكم المعقوفةِ، على ظهوركم تحملون الحمير، على أوراق المطر يقلبها الله بين يدي الفلاحات والأطفال.. رأيت اسمي يفنقل الحصى، مثل حجرٍ أصابه خلل فني طارئ، رأيت اسمي فوق التلة يعوي كذئب "هيثم"، رأيت اسمي يمشي قليلاً.. كان عليّ أن أتبع ظلي..
 
يا امتداد الماء في المدى والمدى في كينونة الطين والطين في الخزف، يا ثقباً في المكائد، يا خارطة النمل، دروب المرايا المبتورة، مشنقة الخطى المقفرةِ، باب المجاز المخلوع، صوت الصراصير في مقطورة المساء، شخير البائع المتجول في الحكاية على مقربة من الرّاوي، على غفلةٍ من السرد، نكايةً بالصدى، كنايةً عن الظلِّ..
 
 كانت يدي في غيبوبةٍ واسعة كثقب إبرةٍ في سرير الريح، كأن ظلاً ينحدر من التلة المجاورة أو من سلالة المغول والندم،
يدور
ويدور
مثل ذئب، فتشعر الشجرة بالدوار فتستريح على كتف الريح في مقهى العاصفة.
هو الظلُّ قطار يناغي الطرقات والمسافرين فيموتون من الضحك والكنايات.. يكبر كورمٍ في الذاكرةِ، كيدٍ تنجب أصبعاً للندم، كمعادلةِ رياضيةٍ بريئة وحنونة، كشخير الضوء الساقط على شارب آنشتاين كما لو كنتِ نائمة إلى جواري. 
 
أنتِ هو الظلُّ أم زفاف أحادي للقمر المكتظ بالأمسيات؟ رائحة الصحف المنسية في رف عانسٍ ترتب المرآة للغريب، أم حفنةُ أراجيح وصدى؟! حقل أغانٍ محتملة الإيقاع بالبطل في الحبكة، أم أنتم المثقوبة أغانيكم؟!
 
 أنا المعلق في سقف الأغنية الأم من أطراف مواعيدي النحاسية..
 المصلوب منذ قصيدتين وبضع سماء على جرح وردة..
 
 أنا كومة الحروف المكتوبة على عجل في أسفل النجوى كخربشات طفل لأول مرة يمسك قلماً، يعتلي جمرةً،
ينتقي (حجراً، شجراً، ضجراً )
 ضع خطاً تحت الكلمةِ المناسبة قبل أن يصعد سلم النشيد الذي يراوده.
أتيتُ أتيتُ
على جناح قبر عابر أو على سطح الوقت أطفو مثل قشة الندم.. لا يهمُّ.. ولكنني أتيت.
 أتيت في صحبة الشَّجَـنِيّ الذي لم يأتِ في صحبتي هو الآخر، إلا بعد حنين قصيّ ومعاهدة مكسورة إلى نصفين.
أتيتُ من القرية من حجر الماءِ وملائكة العشب، من المطر والمهاجل والحكايات،
 أنا ابن الفرح يخطر في بال "البالة":
 أنا ابن مراعي الآلهة 
حيث تضع السحب بيوضها، 
وتلد نساء القرية الشعراء والتعب:
حيث الكنايات، جنباً إلى جنب، تسير مع الفلاحين، خلف الطين والأساطير، قريباً من شجن الحقول ولا تبالي، بمحاذاة غيبوبة "الشرياف" ودوارِ الرُّمَّان والجن، في مقامات الريح آنيةِ الصدى، بين أشجار الأثل وعصافير اللياقة المجدولة، قريباً من المكان الذي قلت فيه لابنة الجيـران:
 فأكمل الأستاذ سبورته في وجهي..