قصة ثورة.. قصة راجح غالب لبوزة
- تدوين | بتصرف
- 07:17 2021/10/10
يتيماً نشأ هناك في منطقة «دبسان» يحمل على عاتقه هم أسرة بكاملها خلفها أبوه ومضى .. لم يكن يملك سوى حفنة من تراب جرداء ،عاش طفولته صراعاً مع الطبيعة القاسية ومضاربة مع لقمة العيش فحمل على عاتقه ماكان كفيلاً بإجهاض حلمه مبكراً لولا قوة العزيمة والارادة اللتان امتلكهما، فسقى بهما بذرات توقه إلى الحرية، والرغبة في تحرير أرضه من المستعمر الغاصب.
لم يكن متعلماً وانما كان أمياً يتدثر بالحكمة، ولم يكن مدنياً ولكنه كان قروياً يتسربل بالشجاعة، لايعترف بلغة الخضوع، ولايتحدث بمفردات المهانة، بل كان متمرداً حتى على نفسه وثائراً لايشق له غبار، شامخاً كجبال ردفان، حمل بندقيته فانطلق إلى جوار رفاقه يطارد الإمامة ويدافع عن الجمهورية، ووشامخاً كجبال ردفان عاد إلى بلدته ليخاطب الاستعمار بلغة البندقية، فكان أول من قدم روحه قرباناً لثورة أشعل عود ثقابها من ردفان، فعمت نيرانها جميع أجزاء الوطن..
انه الشهيد راجح بن غالب لبوزة
أول من أشعل ثورة 14 أكتوبر وأول من استشهد فيها.
ولد االمناضل راجح غالب لبوزه في ردفان محافظة لحج في وادي دبسان وله من الاخوة واحد فقط هو محمد غالب لبوزة توفي والدهما وهما في سن الطفولة حيث كفلتهما والدتهم، وترعرعا في منطقة ردفان..
تزوج الشهيد في العام 1914م وله من الابناء أربعة أكبرهم بليل راجح الذي يعد من الطلائع الأولى لانطلاق أول شرارة لثورة 14 اكتوبر المجيدة، وكان مع أبيه في ذلك اليوم عند استشهاده، مارس في حياته التجارة على ظهر جمل وكان يقوم باستيراد الحبوب من إب وقعطبة والضالع إلى جانب غيرها من المواد الغذائية ليتاجر بها في بلدته..
بدأ الشهيد يحس أن بلاده محتلة من قبل الاستعمار البريطاني وأن عليه مقاومة هذا الاستعمار الغاشم فبدأ بالتنسيق مع رفاقه في تشكيل خلايا سرية من أبناء ردفان وأعدهم لمقارعة المستعمر، ولكنها كانت جماعات غير منظمة شكلت بداية الانتفاضات وكان بداية عملها المسلح في عام 1942م حيث كانت توجد ثكنة عسكرية لجيش شبره التابع للقوات البريطانية في منطقة ردفان في جبل الحمراء الحبيلين، كان يقود أول مجموعة تهاجم هذا المركز وبالأسلحة الشخصية، وقد تم القضاء على هذا المركز نهائياً، وفي عام 1956م ذهب إلى السخنة ومعه مجموعة من الاحرار حيث حصلوا على سلاح «زاكي كرام» الماني زودهم به الإمام أحمد ومن ثم عادوا إلى ردفان،وكان لهم لقاء في قرية الثمير الحبيلين، وعندما وصلت الأخبار إلى الضابط السياسي البريطاني أمر بقصف المنزل بالطائرات «هوكر هنتر» قاوم الثوار تلك الطائرات حتى تم اسقاط طائرتين مهاجمتين وكان ذلك في العام 1957م.
.. إلى 26 سبتمبر
وعند انتصار ثورة 26 سبتمبر 1962م انطلق لبوزة من مسقط رأسه من وادي دبسان حتى وصل منطقة «ذي ردم» حيث كان هناك قرابة «150» من الاحرار الذين وهبوا جياتهم فداء حرية اوطانهم ، وتم ترحيلهم إلى إب ثم إلى الحديدة، وهناك سلمت لهم أسلحة شخصية وذخيرة،
وكان الشهيد يترأس تلك المجموعة، وترك في تعز المناضل سيف مقبل لاستقبال المجاميع التي سوف تلحق بهم وواصل الشهيد المسير من الحديدة إلى منطقتي عبس برفقة قائد لواء إب الشهيد أحمد الكبسي وكان في استقبالهم هناك قائد القوات المصرية المرابطة في عبس والمحابشة وتم تمركز القوة التي كان يقودها الشهيد لبوزة في المحابشة في منطقة الوعلية والمفتاح الخاليتين من السكان ولاتتواجد فيهما إلا القوات المصرية الشهيد لبوزة، الشهيد أحمد الكبسي، وعبدالمنعم رياض قائد القوات المصرية في المحور وكانت تتواجد هناك مجاميع قبلية متمردة على الثورة حاصرت تلك المجاميع أبناء ردفان والقوات المصرية. حيث تقدم الشهيد لبوزة بمجموعة تتجاوز خمسين مقاتلاً، وفكت الحصار عنهم،فكان أن استشهد مجموعة من مقاتلي ردفان في تلك المعركة وبوجود الشهيد أحمد الكبيسي برفقة الشهيد لبوزة طلب من القيادة بصنعاء لكي تعود مجموعة الشهيد إلى صنعاء وذلك للالتقاء بالقيادة هناك والتشاور حول عودة المجموعة إلى ردفان وتفجير الثورة هناك لمقاومة الاستعمار البريطاني وانطلاق أول ثورة منظمة ضده..
.. إلى 14 أكتوبر
وثم عودة المجموعة مع أسلحتهم الشخصية،وكان لقاء صنعاء يضم المشير عبدالله السلال رئيس الجمهورية وبرفقته قحطان محمد الشعبي ومحمد علي الصماتي وثابت علي وعبدالحميد بن ناجي وغيرهم وخرج اللقاء بقرار عودة المجموعة برئاسة الشهيد لبوزة إلى ردفان إلا أنه لم تحدد ساعة الصفر لانطلاق الثورة وترك الأمر للمجموعة لتحديد المكان والزمان المناسبين.
إلا أن الاقدار شاءت ذلك، وذلك عندما سمع الضابط السياسي البريطاني الموجود في الحبيلين بعودة الشهيد لبوزة ومجموعته إلى ردفان مع أسلحتهم وكذلك امتلاكهم لقنابل يدوية،أرسل رسالة يطلب فيها من الشهيد لبوزة ومجموعته تسليم أنفسهم وأسلحتهم إليه،وعدم عودتهم إلى الشمال بضمانة قدرها خمسمائة شلن آنذاك، وعندما استلم الشهيد رسالة الضابط السياسي البريطاني دعا فوراً إلى عقد لقاء يضم جميع العائدين من الشمال على أن يكون اللقاء في وادي عقيبة وجبال ردفان، وكان اللقاء عصراً حضره أكثر من 200 مقاتل وتم قراءة الرسالة المرسلة من الضابط الانجليزي على الحاضرين، فسألنا لبوزة ما الذي تريدونه الاستسلام أم الرد والمواجهة؟فاختار جميع من في المجلس خيار الرد والمقاومة..
على هذا خرج اللقاء بضرورة الرد على الانجليز فكانت الرسالة التالية:
إلى حضرة الضابط السياسي البريطاني.. وصلت رسالتكم الخاصة الموجهة إلينا بخصوص عودتنا من الجمهورية العربية اليمنية والتي تضمنت تسليم أسلحتنا وكل مابحوزتنا من قنابل وغرامة خمسمائة شلن وضمانة بعدم عودتنا إلى اليمن وتسليم ذلك إلى حكومتنا حكومة الاتحاد..
نحن نعتبر حكومتنا هي الجمهورية العربية اليمنية وليس حكومتنا حكومة الاتحاد.. وغير مستعدين لكل ماهو في رسالتكم، ونعتبر حدودنا هي من الجبهة وما فوق وأي تحرك لكم من تجاوز حدودنا فنحن مستعدون لمواجهتكم بكل امكانياتنا ولاتلوموا إلا أنفسكم .. والسلاح ختام.
راجح بن غالب لبوزة عن مجموعة العائدين إلى ردفان من الجمهورية العربية اليمنية.
وكلفت اللجنة قاسم شائف بإيصالها إلى الضابط السياسي البريطاني «ميلن» فقال قاسم شائف للشهيد لبوزة ماذا أقول لهم؟
تحرك لبوزة فوراً وأخرج من حزامه طلقة رصاص زاكي كرام عليمان وأمر أن تودع تلك الرصاصة داخل المظروف إلى جوار الرد.. وقال لقاسم شائف قل لهم لايوجد معنا إلا من هذا العيار..
أخذ قاسم شائف الرسالة وأوصلها فقامت قيامة الانجليز
وأشعلها ثورة..
يوم 13 أكتوبر تحركت القوات البريطانية في وادي المصراح واخترقوا الوادي فاعتقلوا واحداً من زملاء الشهيد لبوزة وهو أحمد مقبل عبدالله وصادروا سلاحه واحتجزوه فتناقل المواطنون الخبر من شخص إلى شخص ومن قرية إلى قرية حتى وصل الخبر إلى لبوزة الذي أمر الجميع بتجهيز أنفسهم حينها طالباً منهم التحرك باتجاه وادي «ضرعة» وحيد ردفان لاشعار الناس في تلك المناطق بما يجري على أن يكون اللقاء رأس جبل «البدوي» في المساء وكان غرض لبوزة من جمع المقاتلين في رأس جبل البدوي الاعداد للقيام بهجوم على مركز القوات البريطانية في منطقة الحبيلين رداً على اعتقالها لأحمد مقبل، وفي منتصف الليل بعد أن تجمع الثوار وفاق عددهم الـ 70 رجلاً أمرهم لبوزة بالتفرق على شكل مجاميع صغيرة حتى إذا جاء الصباح بدأت مجاميع أخرى تنظم إلى المجاميع الأولى..
قام لبوزة باعداد خطة قسم فيها الثوار إلى أربع مجموعات:
المجموعة الأولى كانت بقيادة ابنه بليل راجح لبوزة وكانت مهمتها النزول من رأس جبل البدوي والتمركز في القمة على يمين قرية البيضاء بحيث تكون المواجه الأول للعدو أثناء عبوره لوادي المصراح.
أما المجموعة الثانية فكانت بقيادة المناضل محسن مثنى حسين وهذه كان مهمتها التمركز في أسفل الجبل خلف المجموعة الأولى لحمايتها.
والمجموعة الثالثة كانت أكبر مجموعة وهذه بقيادة المناضل راحج لبوزة نفسه وهذه كانت مهمتها السير إلى غرب الجبل وتطويق العدو وعدم السماح له بالانسحاب.
أما المجموعة الرابعة فكانت بمثابة قوة احتياطية لحراسة المجموعتين الأولى والثانية من ناحية ولاستقبال الوافدين من الثوار من ناحية أخرى.
"... بدأت المعركة بعد أن تحرك الجيش الانجليزي مع الصفوف الأولى فأطلقنا النار على مقدمة القوات وتصدينا لها بقوة ولم نسمح لها بالانتشار وعندما شاهدت المجموعة الثالثة الاشتباك بيننا وبين القوات الانجليزية قامت باطلاق النار على مؤخرة الجيش البريطاني فلجأت قواتهم إلى القصف المدفعي المكثف وكان التركيز بكثير على المجموعة الثالثة التي كان يقودها الشهيد لبوزة في أكمة «الضاجع» وكان الشهيد قد تقدم على مجموعته هو وشخص آخر اسمه سعيدحسين العنبوب فيما رأى مقدمة القوات تراجعت للوراء،وفي الساعة الحادية عشرة ظهراً أصيب موقع لبوزة بخمس طلقات مدفعية ثقيلة فأصابته منها شظية في الجانب الايمن تحت الابط اخترقت جسده حتى الجانب الايسر على موقع القلب في حين كان قابضاً على سلاحه يطلق النار على مؤخرة القوة..
أول شهيد
حينها دعا الداعي أن لبوزة قد استشهد.. استشهد وكان عمره «46» سنة رحمه الله.
لبوزة هناك.. قائم كما كان دائما.. في ردفان
في اليوم الثاني لاستشهاد لبوزة تم دفن جثمانه في قرية الذنب بمنطقة «عقيبة» وكان قد حضر حشد جماهيري كبير جمعيهم وقفوا على قبر الشهيد هناك ليتعاهدوا على أنفسهم وبصوت واحد بمواصلة الكفاح الذي بدأه الثوار بقيادة الشهيد/راجح غالب لبوزة.
بعد هذا أصدرت الجبهة الوطنية بياناً عن انطلاق الثورة من ردفان واعتبرت أن الشهيد لبوزة هو أول شهيد في ثورة 14 أكتوبر.