المؤدلجون.. انحراف في المفاهيم وتوحش في السلوك

07:38 2021/07/17

في عالم الكيانات والجماعات الأيديولوجية المتطرفة كل شخص في الجماعة هو مشروع قاتل أو مقتول، كل فرد في الجماعة هو جنديٌ محارب، وهو عنصر غير سوي، متأزم نفسيا، تسكنه الأوهام، وتعشعش في ذهنه الأحلام، خاصة إذا ما كان الهدف العام للجماعة كبيرًا، إذ سرعان ما يجد حوله القطيع الملتف من الجهلة والمحبطين والبائسين والفاشلين في حياتهم والساخطين على المجتمع من حولهم. 
 
هذا النوع من القطيع، لا يحتاج إلا لخطيب مفوه فقط، يبيع لهم الوهم، فيبيعون له عقولهم، ومن ثم تكون الكارثة. في لحظة من لحظات الغفلة السياسية استطاع الفوهرر هتلر أن يصنع أيديولوجية واهمة تقوم على أساس الأفضلية، وبكارزميته وخطابه الساحر استطاع أن يخدع شعبا كاملا، ويجرجرهم إلى الهاوية. فقط امتلك لسانا فصيحا، وقطيعا مغفلا. وكذلك فعل موسوليني. 
 
ذات الشأن أيضا مع الخمينية الإيرانية، استطاعت ثمانية "كاستات" سجلها في باريس أن تُلهب حماس الشعب الإيراني، وتقلبه رأسا على عقب، وتعيده بالنظرية الجديدة عقودا إلى الوراء نهاية السبعينيات، في الوقت الذي كانت أغلب دول المنطقة تطير نحو الحداثة والتقدم، من حول إيران قاطبة. 
 
العدوان والإرهاب المادي أو المعنوي هو نتيجة تماهي الفرد في الجماعة، وتلاشيه نهائيا إلى حد إنكار ذاته، ففي هذه الحالة تحصل عملية تبخيس نفسية داخلية للفرد، مقابل تعظيم للجماعة، فيضحّي الفردُ بنفسه من أجل المجموع/ الكيان، في سبيل الفكرة المتسامية التي يعتقدها، وكل الجماعات الدينية تربي أتباعها على التضحية بالنفس إلى جانب المال والجهد والوقت، فتنشأ روحٌ شبابية مندفعة، صادقة الاندفاع، خاصة مع انعدام الأمل في فرص النجاح الأخرى، ومع تفشي الفقر، ومع محدودية إمكانيات الفرد المنتمي، وضعف الثقة بالذات؛ لأن الفرد غير المبدع يعتقد أن حياته ستنتهي إذا ما غادر عُشَّ الجماعة أو كيانهم، فيتشبث بالوهم أو بما تيسر من الامتيازات اليسيرة التي يحصل عليها، مقابل الاستماتة في الدفاع عن المُثل العليا للجماعة التي سقته وهْمَها ونشّأته عليها؛ إنه اندفاع جنونيٌ مستميت، لا يستمد قوته من صحة الفكرة؛ بل من نفسيته المندفعة، المتأزمة في الأصل، لكي يثبت أهميته بأي صورة من الصور، وقد مارسَ عملية التبخيس الذاتي لنفسه. لهذا السبب نجد حطب الصراعات الدينية ووقودها من فئة المحرومين والفقراء وعامة الناس الذين وجدوا أنفسهم فجأة في لهيب الصراعات، باحثين عن مستقبلهم، لكنهم لم يعرفوا أن حالهم في أتون الصراعات كحال الفراشة التي رأت الضوء من بعيد، فأقبلت إليه، تتحلق حول اللهب فاحترقت وهي باحثة عن الضوء، وقدرُها الحتمي أن تحترقَ على أية حال..!
 
هذا بالنسبة للشباب والصغار؛ أما عدوان الكبار وتوحشهم فيأتي في إطار الشعور بالذنب والتقصير سابقا، ومن ثم السعي للتعويض، أو استرجاع الحق الموهوم، وفقًا للعقيدة الهادوية التي يفصح عنها إمامهم الأول يحيى حسين الرسي بقوله: 
أرى حقَّنا مُسْتودعًا عند غيرِنا      ولا بدَّ يومًا أن تُرد الودائعُ
 
هكذا يقرر، وهكذا يعتقد أتباعه، وإلا ما الذي يضطر شيخا طاعنًا في السن، في الثمانينيات أو التسعينيات من عمره لحمل السلاح الناري، والتحريض على القتل والعنف والعدوان؟!! 
 
إن العنف الذي تمارسه هذه الجماعة في الميدان قد اعتمل في عقلهم الفردي والجمعي، وترسخ أولا في أذهانهم حتى صار عقيدة، ومن ثم انتقل إلى الواقع العملي. 
 
يُنشِّئُ هذا الكيانُ أفرادَه صغارًا على التماهي أولا والذوبان داخل الجماعة/ العرق منذ طفولتهم على مفاهيم عصبوية، تحملُ في بذورها نفيَ الآخر وغمطه وازدراءه، بالقول: أنت "سيد" وأنت "أفضل" من الغير. وأنت من سلالة أرقى، إلى آخر هذه المصطلحات العنصرية التي تكبر داخلَ عقل الطفل، وتتضخم مع مرور الأيام، حتى تصبح عقيدة راسخة في وجدانه. وفي مرحلة اليفاعة فالشباب يغرس المربي في ذهنه مزعوم مظلمة تاريخية، وحق مستلب منذ قرون غبرت ومضت، فتكبر معتقداتهم بالمطالبة بحقهم مع كبرهم هم، ومن ثم يصبح كل عنصرٍ في هذا الكيان مشروع ثائر؛ بل مشروع قاتل أو مقتول، كما أسلفنا؛ لأنه يعتقد أن له حقًا اكتسبه من السماء، فاغتصبه المجتمع منه؛ ولأنه يعتقد ــ أولا وأخيرا وهو الأهم ــ أنه مشروع إمام أو خليفة أو ملك، بناءً على مزعوم هذا الحق الواهم؛ فهو حاقد على المجتمع من حوله، يعيش عقدة الصراع والتفاعل الداخلي، لذا فحين ينتقم يكون مسرفا في وحشيته، بقدر إسراف عواطفه ومعتقداته. 
 
ويزداد توحش هذا الكيان في المجتمعات المنغلقة على نفسها والبدائية، والتي لا تنتشر فيها نوافذ الثقافة أو أضواء المعرفة، كما هو الشّأن في جبال شمال اليمن الحصينة التي ظلت مغلقة على نفسها فترة طويلة من الزمن، فباض فيها الكيان الإمامي وفرّخ، وامتلك حاضنة اجتماعية بسبب الجهل أو التجهيل الذي فُرض على كثيرٍ من شباب هذه المناطق. وهي أساسا لم تنشأ إلا في جبال الجيل والديلم، "عراق العجم"، وجبال المغرب المغربي أولا، وجبال الرس النائية في المدينة، وجبال اليمن، بعيدا عن المدن. ومن هنا اكتسبت تلك الصلابة والشراسة والانغلاق على الذات. 
 
إن كل عنصر من هذه الجماعة هو منحرفٌ نفسيا، وغير سوي، وفي أمس الحاجة إلى تأهيل نفسي، يعيد له توازنه النفسي السيكولوجي؛ ليكون عنصرًا صالحا وطبيعيا في المجتمع.