04:58 2023/08/09
01:55 2023/04/05
09:03 2023/03/28
لماذا تتعثر مساعي السلام في اليمن؟
04:37 2021/06/23
تتكرر الأزمات الخانقة في منطقتنا العربية، ثم سرعان ما تنتهي باتفاق لا يعكس حقيقة القناعات المتناقضة بين الخصوم. وفي نشوة السعادة المفاجئة بوقف الانحدار المتسارع من دون كوابح في العلاقات البينية، يتم التغييب والتغاضي عن جذور الأزمة، ويتم التعاطي مع نتائجها المباشرة وحسب، وكذا هي الحال في الحروب الأهلية.
الحروب اليمنية الداخلية المدعومة والممولة خارجياً ليست حدثاً فريداً في تاريخ اليمن الحديث، فقد كان الصراع السعودي - المصري إثر قيام الجمهورية في 26 سبتمبر (أيلول) 1962 تجسيداً للتأثير الخارجي على الأحداث اليمنية من زمن طويل، وإن كان حينها أقل تعقيداً في مساره عما يدور حالياً، نظراً إلى تداخل الدوائر المنخرطة في الأزمة داخلياً وإقليمياً ودولياً، أضيف إلى ذلك الغياب الكامل للتنسيق بين الحلفاء، وربما أيضاً تعارض المصلحة النهائية التي يرغب فيها ويخطط لها كل طرف.
وكان لكثيرين وجهة نظرهم بأنه كان من الممكن مبكراً تفادي إطالة زمن الحرب بعد استعادة السيطرة على عدن في يوليو (تموز) 2015. كانت الفرضية حينها أن التحالف والرئيس عبدربه منصور هادي سيعملان كفريق واحد لخلق نموذج الدولة الراشدة التي يريدها المواطن، ولو تحقق ذلك لكانت النتيجة الحتمية هي تراكم مشاعر الغضب والنقمة في المناطق التي أحكمت جماعة أنصار الله الحوثية السيطرة عليها بالقوة المفرطة، تعثر الأمر فخلق فراغات كثيرة لم تتحكم فيها الحكومة الشرعية، وتخلت عن كامل سلطاتها ومسـؤولياتها وواصلت غيابها على الرغم من المبررات التي لم تسع إلى تجاوزها. هكذا لا بد من أن تصير النتيجة الطبيعية هي الانفلات الكامل الذي تسبب في تشكيل كيانات محلية تنازع "الشرعية" سلطاتها، بل انتزعتها كاملة في بعض المواقع، وتمكنت بذلك من الحصول على شرعية داخلية وخارجية.
يتسبب هذا المشهد اليوم في خلق مزيد من المصاعب في الوصول إلى مسار وقف الحرب، كما أنه يقوي جماعة الحوثيين ويزيدها تماسكاً في مواجهة أطراف بلغت الخلافات بينها حد التناحر والنزاع في شأن الأهداف النهائية لمستقبل البلاد، وبالطبع فهذه الحال مفيدة لجماعة الحوثيين، إذ لا تشعر بأي ضغط جاد يضاد أهدافها التي لا يُلتفت إليها ولا تهم إلا نسبة ضئيلة من الناس، وبالتالي لا تشعر الجماعة بالحاجة الملحة إلى الانخراط في مسار السلام من دون أن تكون متيقنة من الإبقاء على تفوق وضعها الميداني.
صار مسار السلام يمثل سراباً لم يعد يحفز آمال اليمنيين، وبرزت جماعات تستغل بقاء العراقيل وثباتها، إذ تضخمت المصالح الخاصة عند عدد منهم إلى حد يتقدم كثيراً على المصلحة الوطنية الجامعة.
هناك أيضاً تضارب الرؤى بين مكونات "الشرعية" على الرغم من المحاولات المتكررة لإحداث مصالحة داخلية في ما بينها، لكنها ظلت وما زالت وستبقى تصطدم هي الأخرى بانعدام الثقة بين مكوناتها التي تتصارع حول الاستئثار بالمناصب وفتاتها.
بقاء هذه الحال سيؤدي إلى مزيد من التناقضات بين الذين يعملون تحت غطاء "الشرعية"، وسيفاقم اعتلالها ويوسع شروخها، وسيكون من السذاجة السياسية الإصرار على معالجة هذه الاختلالات الفاضحة بالأساليب العتيقة والأدوات الرثة المستهلكة، وعملاً عبثياً لن ينجز تشكيل جبهة واحدة يمكنها استعادة ثقة الناس بمفهوم "الشرعية" وليس شعاراتها البالية وحسب.
ما زالت طريقة اتخاذ القرار، ولا أقول صناعته، تدار بعشوائية ومزاجية في قمة الهرم السياسي والإداري، ولم تعد "الشرعية" متحكمة في تسيير أعمال المؤسسات التي بقت نظرياً تحت سيطرتها، والتي لم تعد تخضع للمساءلة والرقابة. ومن غير المتوقع أن تتمكن "الشرعية" من الخروج من المأزق الذي تمر به، ولا يسهم في تعزيز قدرتها على اتخاذ القرارات المصيرية التي يحتاجها المواطنون.
مرد ذلك هو تكديس كل السلطة ونفوذها الإداري والمالي والسياسي في جهاز واحد يتبع الرئيس، لكن لا يعلم أحد آلية عمله، ولا يجرؤ أحد على توجيه النقد إليه موضوعياً كان أم سطحياً.
إن الارتباك الواضح وعدم الانضباط والفساد في جسد "الشرعية" أمور تتسبب في تآكل مشروعيتها، مما يجعل من اتخاذ القرار في مسألة الحرب أو السلام قضية معقدة. هكذا ستكون النتيجة الحتمية لهذه الاختلالات وتراكمها الابتعاد من أهداف الحملة العسكرية للتحالف وليس من المنطقي إلقاء كامل المسؤولية عليه وإن كان يتحمل جزءاً منها، ولن تؤدي التحركات المسرحية وإطلاق التصريحات والإكثار من البيانات السطحية إلى تحسين صورة "الشرعية"، لأنها تجري في سياق التسويق الشخصي وإظهار مهارات في العلاقات العامة لا طائل منها إلا استنزاف المال العام، لكنها في طبيعة الحال لن تأتي بنتيجة إيجابية، لأن الأمر يتعدى قدرة أي شخص مهما ظن أنه يمتلك المهارات الكافية.
بعد ست سنوات من بدايات الحرب ما زالت الطبقة التي استفادت منها غير متحمسة لإنهائها، والأمر لا تختص به "الشرعية" التي انغمست في الفساد والغياب، ولكن أيضاً جماعة أنصار الله الحوثية التي تتخذ من الحرب وسيلة لتبرير وممارسة قسوتها وغلظتها في المجتمع، وفرض الجبايات التي تنهك الناس، وتحجب عنهم أبسط حقوقهم وتكبل حرياتهم، ويتم كل هذا بغطاء شعارات دينية كما لو كان اليمنيون أمة جاهلية تحتاج إلى من يعيدها إلى طريق الصواب، ويفقهها في أمور دينها ودنياها.
سيبقى السلام متعثراً لأن القادرين على اتخاذ القرار الشجاع تناسوا الوطن والمواطن، وصاروا يضعون المبررات التي تخدم استمرارهم في مواقعهم، وهو يحتاج بداية إلى قيادة غير فاسدة قريبة من الناس مقنعة لهم ويثقون فيها.
وفي الطرف المقابل، يحتاج إلى من يؤمنون بحق اليمنيين كلهم في العيش متساوين في ظل قانون، وليحكمهم من يرغبون وكما يرغبون، وللأسف فإن غياب هذه العناصر الأساسية يجعل الاقتراب من الحل معقداً ومحفوفاً بالمخاطر.
السلام الذي ينشده اليمني البسيط لا يمثل عبئاً أخلاقياً ووطنياً عند من يرون في الحرب فرصة إضافية لمزيد من تكديس الثروة، ولا أتصور أن أحداً منهم تجرأ وسأل نفسه يوماً، "كيف سيتذكرني الناس وبماذا بعد وفاتي؟".
* اندبندنت عربية