أسرة تختزل مأساة بلاد- يحدثنا بشار وأُمه: طفل الشرمان الذي غيبه الحوثيون في زنازين الحوبان بتهمة "العمالة" !

  • تعز، الساحل الغربي، عبدالصمد القاضي، والتميمي محمد:
  • 01:20 2022/06/30

"كان الحوثيون يجبروني على حضور محاضرات جهادية، كنت خائفاً جداً، أبحث عن مكان للخروج إلى أسرتي".
 
"خلال شهرين من اختطافي، لم أحصل على كأس ماء نضيف أسد به عطشي أو لقمة صالحة للأكل، سوى القليل من الكدم اليابسة والشاي الملوث وبقايا أرز تسد الشهية وتبعث الاشمئزاز". بهذه العبارات ابتدأ الطفل بشار حديثه عن المعاناة التي تعرض لها في سجون ومعتقلات مليشيا الحوثي.
 
"الجاسوسية والعمالة" ذرائع تتخذها مليشيا الحوثي لابتزاز المواطنين في مناطق سيطرتها، وبتلك التهم الواهية تعرض العديد من الأبرياء لأبشع الجرائم التي ترتكبها المليشيا الإجرامية بحقهم وحق أطفالهم، بغرض ابتزازهم.
 
مأساة أسرة من ماوية
 
الطفل بشار محمد أحمد الشرماني (11 عاماً)، اختطفته مليشيا الحوثي في 12 سبتمبر 2018، وهو عائد من مزرعتهم إلى منزله، في مديرية ماوية الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، شرقي مدينة تعز.
 
اقتادت المليشيا الطفل بشار، وأودعته في معتقلاتها بمحافظة تعز، لمدة شهرين، تعرض فيها لأبشع الانتهاكات النفسية التي لا تزال آثارها تنخر في جسد بشار وتؤرق أسرته التي تعيش أسوأ الظروف الإنسانية، بعد أن فرت من بطش المليشيا إلى مدينة تعز المحاصرة، في جريمة تهجير قسري تعد من أبرز جرائم الانتهاكات الجسيمة في القانون الدولي الإنساني.
 
بشار... يتذكر
 
 
يقول بشار للساحل الغربي، إن المليشيا أودعته أول يوم في أحد معتقلاتها، وهو عبارة عن عنبر يتواجد فيه ثلاثة إلى أربعة أطفال متقاربة أعمارهم، لم يعرف سبب احتجازهم، ثم انتقل إلى معتقل الصالح، ولم يطرحوا عليه سوى سؤال أين أبوك؟ 
الذي بادلهم  السوال ذاته "أريد أبي، الذي كان بانتظاري وكنت عائدا إليه".
 
تحاول المليشيا فرض فكرها السلالي الكهنوتي في كل مكان تسيطر عليه، بما في ذلك السجون والمعتقلات.
 
يقول بشار "كان الحوثيون يجبروني على حضور محاضرات جهادية يلقيها أحد قياداتهم على مجموعة من الأطفال والشباب في أحد أركان مدينة الصالح، كأنهم يستعدون للقتال، وكنت خائفاً جداً، أبحث عن مكان للخروج إلى أسرتي".
 
"أعادوه لحما في كيس" !
 
تهاني عبده صالح (43 عاماً) والدة الطفل بشار، في حديثها لـ"الساحل الغربي" تسرد مراحل انتهاكات المليشيا بحق زوجها وولدها، قائلة: "في منتصف عام 2018، اتهمت المليشيا زوجي محمد أحمد الشرماني وأحد اقاربه يدعى علي سلطان بالجاسوسية لصالح القوات الحكومية، حيث اختطفت المليشيا علي سلطان، واقتادته إلى ذمار، ولم يعد إلا قطع لحم في كيس لم تتمكن أسرته من التعرف عليه، قيل إنه قتل بقصف طيران في إحدى ثكنات المليشيا".
 
بعد تلك الجريمة تحديداً في سبتمبر 2018 كانت عناصر مليشيا الحوثي تتجول بشكل كثيف أمام منزل محمد الشرماني، فشعرت الأسرة بالخطر وقررت الهروب من المنطقة، وفي البداية خرجت الأسرة إلى منزل مجاور لهم، ليمهدوا الطريق نحو مدينة تعز المحررة.
 
تقول تهاني: "في 12 سبتمبر 2018، اقتحمت المليشيا منزلنا فلم تجد فيه أحدا، بعد أن لجأنا إلى منازل مجاورة تمهيداً لنزوحنا إلى المدينة المحاصرة".
 
هروب بالتخفي
 
بينما كانت أسرة بشار في انتظار عودته من المزرعة إلى المنزل البديل، كانت المليشيا الحوثية تنتظره على قارعة الطريق، لقد تأخر بشار وطال انتظار أسرته ولم يصل إليها، بل وصل الخبر المؤلم الذي ضاعف معاناة أسرته المشردة والمهجرة، إنه خبر اختطاف بشار، فقررت الأسرة مغادرة المنطقة سراً وبشكل متفرق إلى المدينة تاركين خلفهم طفلا في زهور عمره بين مخالب المليشيا، ووجعا مضاعفا يعتصر قلوبهم المكلومة.
 
تضيف تهاني "بعد اقتحام المليشيا لمنزلنا والعبث به، وبينما نحن في انتظار عودة بشار من المزرعة، لكنه تأخر ذلك اليوم بالعودة إلى المنزل البديل، حتى وصل خبر اختطافه كرهينة لوالده، فغادرنا المنطقة سراً وبشكل متفرق إلى المدينة".
 
بعبارات ممزوجة بالألم والقهر، وذكريات الفقد والحرمان لفلذة كبدها، تقول والدة بشار: "ظل بشار في المعتقل أقل من شهرين، لكنه فقد كل طفولته وشبابه المنتظر، جراء ما تعرض له خلف قضبان المليشيا".
 
تلفيق تهمة لسرقة الممتلكات
 
وعن ذرائع وتهم المليشيا الواهية، في اختطاف ولدها، تحدثت تهاني بصوتها المنهك الذي يوحي بحجم المعاناة وعوز الحال والظروف المأساوية التي أوصلتها المليشيا لهذه الأسرة "لم يكن زوجي محمد أحمد سوى مدرس بدون راتب مثله مثل كل المدرسين الذين أحرمتهم المليشيا الحوثية من مرتباتهم، فكان يتردد على دخول المدينة المحررة، لإجراءات معاملته وتسويته كنازح، في مناطق الشرعية، لكن المليشيا استغلت ذلك فنسبت لمحمد تهمة العمالة وبدأت استجاوبه إلى أقسام الشرطة قبل ملاحقته بدوافع سلالية تسعى من خلالها إلى مصادرة ممتلكاته والسيطرة عليها".
 
بعد أسبوع من الاختطاف اتصل مسؤول السجن بوالد بشار وطلب منه الحضور، لكنه تردد وظل يبحث عن وساطة لإنقاذ طفله، حيث طلبت المليشيا مبلغ مليوني ريال في وقت قصير مقابل الإفراج عنه.
 
الفدية.. وكل ما نملك
 
تساءلت والدة بشار، بحرقة شديدة أعادت إلى قلبها كل الأحزان التي هدت جسدها وتفكيرها منذ اختطاف ولدها: "كيف لأسرة نازحة مشردة عجزت عن توفير لقمة العيش، أن تدفع مليوني ريال وفي وقت قصير جداً".
 
وأردفت: "بمساعي الوسطاء الذين تفاوضوا حول فدية، تكفل بها خيرون بعد أن صادرت المليشيا ممتلكاتنا ومنزلنا، أنقذت ولدنا من الاعتقال، لكن حالته النفسية متدهورة".
 
خرج جسدا.. فقط !
 
"كل شيء تغير في حياة بشار ومحيط الأسرة، لقد خرج من المعتقل جسدا فقط، شاحب العقل، وأصبح عدوانيا لدرجة كبيرة، كان يحمل نصف مسؤولية والده، لكنه الآن لا يأبه بأحد وكأنه خارج إطار الحياة، يعاني من صدمة نفسية تقوده إلى المجهول" بهذه العبارات وصفت والدة بشار حالته الصحية منذ خروجه من معتقلات المليشيا.
 
معاناة فوق بعض
 
تعيش أسرة بشار المكونة من ستة أفراد في غرفة صغيرة وسط مدينة تعز، يعمل الأب مدرساً في الصباح وفي المساء يبحث عن عمل آخر، ليقوت أطفاله، ومواصلة علاج ولده بشار، من خلال جلسات الطبيب النفسي التي توقفت بسبب ظروفه المادية الحرجة، لا سيما وأن بشار ما يزال بحاجة ملحة للعلاج النفسي والخروج من أيام المعتقل وفاجعة الاختطاف.

ذات صلة